د. أحمد داوود.
عبّر العرب القدماء عن الأسياد الذين هم السلالة الشريفة سلالة آدم العاقل، الخليفة، الذين علّموا البشرية ومنحوها العلوم العظيمة، بعدة رموز استخدموا فيها التورية والجِناس، كاللون الأسوَد كما رأينا، والكبش الذي يعني السّيد بالعربية وهو رمز آمون كما شرحنا، والثور الذي يعني السيّد أيضاً وهو رمز زيوس.
وهناك رمز آخر تركه العرب ليدل على الأسياد، هو الأسد، فالأسد جناس لفظي عربي آخر لكلمة سيّد، فالسيد أسد والأسُود أسياد، فحين يرسمون أو ينحتون ملكاً بجسم أو رأس أسد فهذا يعني أنه من الأسياد، من السلالة الشريفة المتميزة، وهم العلماء الذين منحوا البشرية العلوم العظيمة والاختراعات.
وُجدت تماثيل الأسُود على بوّابات المدن السورية الهامّة، كتدمر، كذلك نجد تماثيل الأسياد التي جعلوها برأس إنسان وجسد أسد في سوريا ومصر القديمة.
وهذا سيأخذنا مباشرة إلى التمثال الشهير الذي أخذ شكله رمز الأسياد، أبو الهول:
إن أبا الهول والأهرامات والمسلّات هي قصة من قصص علوم الأسياد العرب التي لا بد من التوقف عندها لأنها مثال صارخ عن مدى تخبط الباحثين في فهم الصروح القديمة التي تركها لنا جيل الجبابرة العرب، جيل الإنسان العاقل الأول، وفي إدراك وظيفتها الحقيقية، إما جهلاً منهم، وإما متعمدين إخفاء الحقيقة.
كنا قد تحدثنا في الجزء الأول من هذه الموسوعة حول دور الأهرامات كمولدات طاقة، ودور أبي الهول كعين كونية، لكن البحث لم ينته هنا، فلقد قادتنا اللغة بحد ذاتها إلى فك الكثير من الأسرار لتجلو أمامنا الحقيقة، حقيقة ما نراه من صروح تاريخية، ما هي؟، ما هو الغرض من إنشائها؟.. وسنكتشف معاً العجب العجاب.
أبو الهول لغوياً قد يكون أصله أبو الحُول. نقرأ في لسان العرب لابن منظور:
الحول: تحويل الأمر. الحوال: كل شيء حال بين اثنين، حال الشيء بين شيئين: حجز، الحوال: الحائل والحاجز ومنها جاءت Wall حائط، حاجز بعد سقوط الحاء باللسان الغربي.
الحُول: التحوّل، أي زال عنه إلى غيره. حاله إلى مكان آخر: حوّله. الحؤول: التحّول. الحِوَل: الانتقال من موضع إلى موضع. التحويل: التصريف. الحوالة: تحوّل الماء من نهر لمكان آخر. ما أحال على الوادي: ما أقبل عليه. أحال عليه الماء: أفرغه. حال الماء حولاً: انصبّ. أحال الماء من الدلو: صبّه وقلّبه.
سنكتفي بهذه المعاني ل “حُول”. دعونا الآن نتعمق بطبيعة أرض الدلتا المصرية لندرك ما نحن بصدده:
علينا أولاً أن نعلم بأن الأهرامات بُنيت على هضبة في الجيزة، بينما أبو الهول بُني في أرض منخفضة عن مستوى أرض الأهرام، وإن منطقة الدلتا عموماً تُدعى مصر السفلى لأنها أكثر انخفاضاً من جنوب مصر.
إن الجيزة تقع بالضبط في رأس الدلتا التي يبدأ عندها تفرع نهر النيل ليكمل مسيره ويصب بالبحر المتوسط.
- الجيزة Giza بالعربية: الناحية والجانب، وعبر النهر، والناحية من الوادي. وهي مدينة على نهر النيل. الجيزة هي مدينة منف أو ممفيس عاصمة مصر الأولى.
- ممفيس، منف – Memphis: يقولون عنها: “شُيِّدت المدينة في عهد الملك ’مينا‘، مؤسس الأسرة الأولى، حوالي عام 3150 ق.م، دلالةً على توحيد مصر العليا والسفلى (الصعيد والدلتا)، لتُصبح أول عاصمة لمصر القديمة. ذكرتها النصوص القديمة باسم ’إنـب حـج‘ أي الجـدار الأبيـض والذي اختصر إلى ’إنـب‘ أي الجـدار. عشق الإغريق اسمها فأسموها ’ممفيس‘ وأطلقه أحفادهم في العالم الغربي الاسم على بعض مدنهم. استمرت منف عاصمة لمصر حتى نهاية عصر الدولة القديمة (حتى نهاية الأسرة الثامنة). ومنذ بداية التاريخ المصري القديم كانت ’منف‘ مركزاً للحضارة والتجارة فكان لا بد إذا أُريد حكم مصر كلها بكفاءة من اختيار هذا الموقع المتميز في منطقة اتصال الوادي بالدلتا، في تلك المنطقة التي تتوسطها مدينة القاهرة عاصمة مصر الحالية، على بعد حوالي 24 كم جنوبها. امتدت ممفيس وتوسعت على شط النيل الغربي. العمل الأثري الحالي يحاول تحديد تغير اتجاه مسار النهر والمستوطنة إبان بواكير الأسرات (العصر العتيق) وعصر الدولة القديمة.
معبود ممفيس كان الإله بتاح، وجبّانتها الضخمة كانت تمتد من أبو رواش فى الشمال إلي اللشت فى الجنوب، وتحتوى على أروع أمثلة العمارة والفنون”.
بلسان العرب ناف الشيء نوفاً: ارتفع وشرف. ويُقال لكل مرتفع عال: منيف. إذن منف هي بالأصل العربي منيفة وتعني المرتفعة بسبب بنائها على هضبة التي هي اليوم هضبة الجيزة، صارت منفيس أو ممفيس.
- أبو الهول: يقع على هضبة الجيزة على الضفة الغربية من النيل جنوب شرق الأهرامات متوجهاً بوجهه نحو الشرق ينظر إلى النيل، يقولون عنه: “يمثل الحارس الأمين للمنطقة وكان رمزاً لآمون، وهو أقدم المنحوتات الضخمة المعروفة. يبلغ طوله نحو 73.5 متر، من ضمنها 15 متر طول قدميه الأماميتين، وعرضه 19.3 م، وأعلى ارتفاع له عن سطح الأرض حوالي 20 متراً إلى قمة الرأس”.
لكن لماذا يمثل أبو الهول “الحارس الأمين للمنطقة” كما وصفه تراث وادي النيل حتى أنهم يدعون مصر ب”مصر المحروسة”، من أي شيء حُرست مصر وما هو الشيء الذي حرسها منه أبو الهول؟ هل سنعتقد كما اعتقد الآثاريون بأن عرب وادي النيل كانوا يؤمنون بالخزعبلات ومنها أن أبي الهول قد شُيّد فقط لحماية مصر من الأرواح الشريرة!، وأن الأهرامات أنشئت من أجل دفن ملوك وادي النيل، وأن المسلّات نُصبت فقط لتمجيد الشمس؟، نحن لا نصدق مثل هذه الخزعبلات التي صُدِّرت لنا في العصر الحديث، بل نؤمن بالعلم، والمنطق، وبأن هؤلاء القدماء كانوا أصحاب حضارة عظيمة وعمران مهيب ولكل عمران وظيفة، ومن بنى الجامعات والمشافي والمدارس وعرف كل أنواع العلوم بالتأكيد لم يكن ليقوم بتشييد هذه الصروح العظيمة من أجل إشباع خيال مراهق.
لكي نفهم سبب بناء أبي الهول وسبب اختيار تلك النقطة بالذات لبنائه، دعونا نتعرف على المشاكل التي كانت تواجه منطقة الدلتا. يقول هيرودوت: “عندما يفيض النهر على البلاد تظهر المدن وحدها فوق الماء وتكاد تشبه جزر ايجة، في حين تصبح سائر أجزاء مصر بحراً، وأثناء ذلك لا ينتقل المصريون بمراكبهم في مجرى النهر بل في وسط السهل وكانوا يبحرون بحذاء الأهرام….. لقد حدثني الكهنة أن مينا (مِنا) كان أول من حكم مصر، وبأنه أوجد جسراً لحماية ممفيس، إذ كان النهر كله يجري بحذاء الهضبة الرملية من الجانب الليبي (غربي هضبة الجيزة)، على حين أن مينا مبتدئاً من أعلى (من قمة الدلتا) قد أنشأ بوساطة السدود الثنية التي تقع جنوبي ممفيس بنحو مائة ستاد، وبذلك جفّف المجرى القديم وحوّل مجرى النهر لينساب في مجرى محدود. إنه في حال اجتاح النهر الجسر لأمست ممفيس كلها تحت خطر الغرق، قام مينا بتجفيف هذه البقعة بعد عزلها عن الماء، وحفر خارج المدينة بحيرة تخرج من النهر والنيل نفسه يحدّها من الشرق”. (هيرودوت يتحدث عن مصر، ص210 – 212، دار المعرفة، دار القلم، 1966).
إذن الملك “مِنا”، ملك مصر الأول والذي قدّره عرب وادي النيل كثيراً، والذي نعتقد أنه آمون نفسه، ذو القرنين، قد بنى سدوداً كانت نتيجتها المطلوبة والتي تحققت هي تجفيف أرض الدلتا وحمايتها من آثار فيضان النهر الكارثية، وبالتالي هيأها للاستقرار والزراعة والسكن.
لنتمعن في الآيات القرآنية في سورة الكهف التي وصفت سدّ ذي القرنين، الذي نعتقد أنه السَّدّ الذي بناه آمون، أو مِنه، وسنبيّن سبب وصولنا لهذا الاستنتاج: }حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْن السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا (93) قَالُوا يا ذا القَرْنَينِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ في الْأَرْضِ فهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً على أن تجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ ربِّي خَيْرٌ فَأعِينُوني بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْما (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْن الصَّدَفيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ ومَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقبا (97) قَالَ هَذَا رَحمَةٌ مِن رَبِّي فَإِذا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقا (98){.
والآن لنتأمل شرح الكلمات الواردة في الآيات:
– إن كلمة “سَدّ” قد استُخدمت في الآيات مرتين، لكن في كل آية كان المعنى المقصود مختلفاً وهذا هو فن التورية بالجناس اللفظي في علم البيان العربي البديع.
إن السَّدّ بلسان العرب: هو الرّدم، وكل بناء سُدَّ به موضع. كما أن السَّدّ: الجبل.
من الواضح بأن السَّد الذي طالب به القوم ذا القرنين هو الرّدم لأنه قال لهم: فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما، في الآية (95). بينما السدّ الأول الذي بلغه ذو القرنين فمن الواضح بأنه طبيعة تضاريس المكان، وبأنه يعني هنا جبلين، أو مكانين مرتفعين كأنهما سدّان، وذو القرنين بلغ مكاناً محصوراً بين هضبتين، في الآية (93). لنقرأ تضاريس وادي النيل: “وادي نهر النيل، يتحدد اتساع هذا الوادي بطبيعة صخور الهضبتين المحيطتين به، فكلما كانت صخور الحواف أصلب ضاق الوادي وضعفت قدرة النهر على تعرية الحواف، وكلما كانت الصخور لينة زادت قدرة النهر على التعرية والنحت فازداد الوادي اتساعاً، وكلما اتجهنا شمالاً كانت صخور الهضبتين أحدث وألين، وازداد النهر بطءً وإرساباً”.
إذن كان ذو القرنين قد وصل برحلته الإعمارية العلمية إلى المكان المحصور بين الهضبتين، هناك كان الناس يواجهون معضلة أفقدتهم عقلهم وحيّرتهم ولا علم لهم بالحل، وهذا هو تفسير “لا يكادون يفقهون قولا”، وأمّا من فسّر الآية بأنهم أقوام لا لغة مفهومة لديهم فهو فهم خاطيء بدليل أنهم كلّموا ذا القرنين بشكل واضح وشرحوا له مشكلتهم، ما هي مشكلتهم؟ مشكلتهم هي “ياجوج وماجوج” الذين أفسدوا في الأرض، وطلبوا من ذي القرنين بالتالي أن يبني بينهم، أي بين القوم، وبين ياجوج وماجوج، سَدّاً.
إننا نستنتج من هذه الشكوى بأن ياجوج وماجوج ليسوا قوماً آخرين، كما فهمها المفسِّرون، فالقرآن لم يصفهم بأنهم قوم من الأقوام كما اعتادت الشروحات أن تروي عن ياجوج وماجوج، وعشرات الأحاديث التي وصفتهم كأقوام والتي نسبوها للنبي محمد، مع أن القرآن لم يصف “ياجوج وماجوج” كأقوام على الإطلاق ولا يمكن للأحاديث النبوية أن تتعارض مع القرآن، فعلينا أن نتبين مصدر هذه الأحاديث التي نعتقد أنها موضوعة على لسان النبي محمد، فما هي حقيقة “ياجوج وماجوج”؟
إن “ياجوج وماجوج” بحسب الآية هم مفسدون في الأرض وطلبوا من ذي القرنين أن يجعل بينهم سَدّاً.
بالسريانية: أوجي: نشّف، أنشف، أيبس.
بلسان العرب: الأجَّة: شدّة الحر. وماء أجاج: شديد الملوحة، مرٌّ شديد المرارة من فرط ملوحته.
أما ماج موجاً فهو: ما ارتفع من الماء واضطرب.
إذن “ياجوج” هو شدة الحر وزيادة الجفاف، وتحوّل المياه إلى مياه مرة مالحة، وما تزال البحيرات المرّة في دلتا النيل فعلاً قائمة حتى اليوم ونعتقد أنها بقايا بحر مالح كان يملأ سهول الدلتا ويفسد تربتها.
أما “ماجوج” فهو اضطراب المياه وفيضانها، وهو فيضان نهر النيل.
نحن هنا أمام شكوى بيئية حقيقية لسكان الدلتا في زمن آمون، مِنا، ذي القرنين، هي أن نهر النيل كان يفيض فيُغرق الأراضي بدل أن يكون فيضاً مفيداً، ومن جانب آخر كانت المياه المرّة المالحة ما تزال متغلغلة بشدة بين أراضي الدلتا التي تكوّنت أساساً عبر آلاف السنين بنتيجة طمي نهر النيل حتى دعاها هيرودوت “هبة النيل”، فكانت الأراضي في منطقة الدلتا غارقة بين الماء المرّ المالح والحرارة الشديدة التي تسبب تبخر المياه السطحية (ياجوج) وبين مياه فيضان النيل (ماجوج)، فطالبوا ذا القرنين أن يجمعوا له مالاً من السكان (نجعل لك خرجاً) لتمويل مشروع بناء السّد ليحمي سكان الدلتا من فيضان نهر النيل من جهة، وليحوّل مسار النهر من جهة أخرى، وبالتالي تجف السهول الواقعة خلفه وتصبح صالحة للاستقرار. وهذا ما كان، وشرح لهم آمون – ذو القرنين طريقة بناء السد. دعونا نرى الخطوات التي اتّبعها ونشرحها بالتفصيل:
– إن ذي القرنين طالب من أجل بناء السدّ بعد تأسيس الرَّدم بزُبُر الحديد، والزبْر باللغة: الحجارة، وزبرة الحديد: القطعة الضخمة منه.
– ثم أمر ذو القرنين بالنفخ بحجر الحديد هذا ليصبح ناراً. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه علّم الناس ما ندعوه اليوم بالصناعات المعدنية ومنها تصنيع الحديد، لنقرأ كيف يجري تصنيع الحديد اليوم ليصبح قابلاً للاستخدام:
“صناعياً، ينتج الحديد في الفرن اللافح عن طريق اختزال خامات الحديد وخاصة الهيماتيت (Fe2O3) والماغنتيت (Fe3O4) بالكربون عند 2000 درجة مئوية.
في الفرن اللافح، تُلقى خامات الحديد، والكربون في هيئة فحم كوك، والحجر الجيري (الذي يعمل كـمخبث ويستخدم لإزالة شوائب ثاني أكسيد السيليكون التي قد تتسبب في انسداد الفرن) من أعلى الفرن، وفي ذات الوقت
يدخل تيار من الهواء الساخن عبر أنابيب النفخ الواقعة أسفله. يُسمَّى الحديد الناتج بالحديد الغفل والذي يُستخدم كخام للحديد في مراحل تصنيع الحديد التالية. الحديد المطاوع هو إحدى السبائك الحديدية التي يتم إنتاجها من الحديد الزهر (الغفل) بتقليل نسب الكربون والشوائب فيه، ويتم إنتاجه في أفران عاكسة مبطنة من الداخل بأكسيد الحديديك حيث يوضع مصهور الحديد في الفرن، ويمرر هواء ساخن لأكسدة الشوائب، فيتحول بعضها إلى أكاسيد غازية تتطاير، ويُسحب المعدن وهو ما زال ليناً من الفرن ثم يطرق ويشكّل إلى صفائح وقضبان.
يُعرف الحديد المطاوع باسم الحديد النقي”.
– بعد أن تم تصنيع الحديد النقي المطاوع طالب ذو القرنين بالقِطر، وهو النحاس المائع، لإفراغه على الحديد، وهو بذلك علّمهم صناعة ما يُدعى بـ “حديد التسليح” أو ما ندعوه بالعربية الصُّلب Steel ويتألف من 98% حديد و2% نحاس، ويقول المختصّون بأن حديد التسليح هذا يُستخدم في صناعة قطع السيارات والطائرات وفي البناء العمراني وبناء السدود والأنفاق.
والآن يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: لماذا قام ذو القرنين بتشييد السد مُدعَّماً بحديد التسليح؟.. لنقرأ قول الاختصاصيين عن الفرق بين الخرَسانة العادية والخرَسانة المسلَّحة:
“الخرَسانة العادية شديدة المقاومة للضغط ولكنها ضعيفة جداً في مقاومتها للشدّ ولذلك لا نستخدم الخرسانة العادية أبداً في الأماكن التي تحدث فيها إجهادات الشد. ولكن نستخدم الخرسانة العادية أسفل أساسات المنشآت، وفي دكّة الأرضيات في الدور الأرضي للمنشآت، و في خرسانة الميول على الأسطح لتصريف مياه الأمطار.
أما الخرسانة المسلَّحة ويُقصد بها الخرسانة التي تستخدم حديد التسليح بداخلها، فتمتاز بتحمّلها للضغط والشد بخلاف الخرسانة العادية التي لا تتحمل سوى الضغط فقط، ويتم استخدام الخرسانة المسلحة فى عمل الهيكل الخرَساني لجميع أنواع المنشآت، كالجسور والأنفاق، و في المنشآت البحرية، و في خزّانات المياه”.
إن الأنواع الشائعة من السدود هي التي تنشأ من نوع واحد من المواد ذات الردم الترابي، أو الردم الصخري مع قالب ترابي، أو ذات الواجهة الخرسانية.
إذن فالسدود ذات الخرَسانة المسلَّحة هي الأكثر مقاومة للضغط والشد، فنحن هنا نتحدث عن سدود مقاومة للتصدّع والانهيار، وليست سدوداً يمكن لأقوام ما أن تهدمها، لأن تهديم السد بفعل بشري هو فعل سهل باستخدام التفجيرات كما هو معروف فلماذا يتكبد ذو القرنين مشقة تسليحها؟. نحن هنا إذن أمام سد مقاوم لعوامل الشد والضغط، البيئية، ولسنا أمام سد يفصل بين الأقوام.
ما هي الغاية من بناء السدود؟ “تُعتبر السدود من أقدم الوسائل التي استخدمها الإنسان لترويض الأنهار والمجاري المائية الطبيعية، وقد بدأ الإنسان في إقامتها إما بهدف تنظيم وإدارة الموارد المائية المتاحة وتوفير احتياجاته من المياه الصالحة للشرب والزراعة، أو بهدف درء وتجنب خطر ما متكرّر الحدوث مثل الفيضانات أو السيول، أو لتحقيق كلا الغرضين معاً”.
يقول المختصون حول أهمية إنشاء السدود في الأراضي الزراعية؟: “باعتبار أن المناطق الزراعية تعتمد بشكل أساسي على الأمطار الموسمية في الري، لذلك فإن تنمية الجانب الزراعي يتطلب إنشاء السدود والحواجز المائية بسبب الحاجة لتأمين مصدر مستمر لمياه الشرب ومياه الري بهدف زيادة رقعة المساحة الزراعية”.
لكننا هنا في قصة سد ذي القرنين أمام مشكلة بيئية مزدوجة كما رأينا هي شدّة تبخر المياه السطحية بسبب الحرارة العالية وبالتالي زيادة ملوحة التربة من جهة، وفيضان نهر النيل من جهة أخرى. أمام هكذا حالة يقول المختصون بأن الحل الأمثل هنا هو ما يُدعى بسدّ تخزين المياه: “سدود التغذية الجوفية: إن التغذية الجوفية هي إحدى الوسائل العملية لزيادة موارد المياه في البلاد القاحلة. ففي المناطق الحارّة الجافة يمكن أن يزيد معدّل التبخّر عن معدّل هطول الأمطار بعدّة أضعاف، وفي مثل هذه الظروف فإن التخزين السطحي لا يكون مجدياً بسبب فاقد المياه الكبير وتملّح الأراضي الزراعية الواقعة قرب مصبّات الأنهار بسبب ارتفاع وتقدم مستوى مياه البحر المالحة بالنسبة لمستوى المياه الجوفية. من هنا جاءت فكرة تخزين مياه الفيضانات تحت الأرض وقد سُمِّيت هذه العملية بالتغذية الجوفية الصناعية أو تخزين واسترجاع مياه الخزّان الجوفي، وهي واحدة من أهم الوسائل العملية المستخدمة في تعزيز وزيادة موارد المياه في الأقطار الجافة. فالتغذية الجوفية بالخزانات الجوفية تؤمن مياه شرب نقية باستمرار، ومياه الري على مدار العام، وفي الوقت نفسه يتم تخفيض فاقد المياه السطحية بالتبخر فهي تُحفظ في خزانات تحت السد وليس وراءه”.
إذن قرّر ذو القرنين، آمون العالِم، أن يبني سداً مزدوج الوظيفة، فهو من جهة يدرأ فيضان نهر النيل (وهذه هي ظاهرة ماجوج) ويحوّل مساره، ومن جهة أخرى يقوم بتخزين المياه الفائضة ضمن خزّانات جوفية تؤمّن باستمرار مياهاً صالحة للشرب وري الأراضي الزراعية التي كانت تفسد بسبب زيادة ملوحة التربة (وهذه ظاهرة ياجوج)، لهذا دُعي السد من هذا النوع، الذي هو بلغة علمية بحتة سدّ تغذية جوفية، بسدّ ياجوج وماجوج.
أين بُني هذا السد؟ إنه نفسه الذي نعرفه اليوم باسم “أبو الهول”. أبو الهول هو سدّ ياجوج وماجوج، سدّ ذي القرنين. لقد حوّل سد أبي الهول مجرى نهر النيل نحو مساره الحالي وبفضله جفّت الأرض التي شهدت التجمّعات السكنية الأضخم في مصر اليوم، ونُظّمت الزراعة ومياه الشرب بفضل الخزّانات التي بناها ذو القرنين تحته. وفعلاً تؤكد اليوم جميع الدراسات على وجود مياه جوفية تحت جسد أبي الهول، ولم يعرف أحد حتى اليوم أنه سد تغذية جوفية وأنه بُني لهذا السبب، وأنه سد ياجوج وماجوج.
“كان السؤال الذي يُوجَّه لنا دائماً: هل حفر أحد من قبل أسفل أبي الهول لكي يعرف ما إذا كانت هناك أسرار مخبأة وكنوز مدفونة أم لا؟ فإن الإجابة لا، وكان من المستحيل أن نقنع هؤلاء بوجهة نظرنا في عدم وجود أسرار أسفل أبي الهول، ولكن حدث ما لم يتوقعه أحد، حيث ظهرت المياه الجوفية أمام أبي الهول؛ ولذلك فقد كلّفنا الدكتور حافظ عبد العظيم من مركز هندسة الآثار بجامعة القاهرة بعمل دراسات علمية لمعرفة مصدر هذه المياه، ووجدنا أن أبا الهول محاصَر بالترع والقنوات المائية والمباني العشوائية التي لا يوجد بها صرف صحي سليم وبالتالي تتسرب المياه إلى أبي الهول، وكان لا بدّ من الحفر أسفل أبي الهول وقد تم عمل نحو 32 حفرة أسفل أبي الهول، ووجدنا أن المياه الجوفية تقع نحو 5 أمتار أسفل التمثال، ولكن هذه المياه ليست مياه صرف صحّي مليئة بالأملاح، ولكنها مياه حلوة لا تشكل أية خطورة”. (د.زاهي حواس وزير الدولة لشئون الاثار المصرية السابق، وشغل سابقاً منصب مدير آثار الجيزة، جريدة الشرق الأوسط، 13 فبراير 2020).
وصَف القرآن “ياجوج وماجوج” في سورة الأنبياء بالآيات: }حتَى إذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فإذا هِيَ شَاخِصَةٌ أبصَارُ الَّذِين كَفرُوا يا وَيْلَنَا قَد كُنَّا في غَفْلةٍ منْ هَذا بَلْ كُنَّا ظالِمِين (97){. لا ندري كيف اتفقت جميع التفاسير على جعل “ياجوج وماجوج” أقواماً، ما هي الكلمة الواردة في القرآن التي فُهم منها على أنهم أقوام؟ وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه الجميع بدون استثناء.
إن الآيات هنا تتحدث حقيقةً عن كارثة بيئية ستواجهها البشرية في مرحلة النهاية على الأرض على ما يبدو، إن اشتداد الحرّ وارتفاع درجات الحرارة والذي يدعوه العلماء بالاحتباس الحراري، سيؤدي إلى ذوبان هائل في كتل الجليد في القطبين، مما سيؤدي إلى زيادة كارثية في منسوب المياه الجوفية، وارتفاع شديد في مستوى البحار والمحيطات ناهيك عن فيضان الأنهار. إن هذه المياه الجوفية ستتدفق أخيراً إلى مستوى القشرة الأرضية لتحدث شروخاً وتصدعات هائلة بمعنى أنها ستتفتح من كل ناحية وتفيض، هذا هو تفسير }إذا فُتحت ياجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون{.
غالبية المراجع العربية القديمة تعيد بناء الأهرام وأبي الهول إلى “قوم عاد” من العرب البائدة، ونحن نقول إنه زمن آمون، الذي هو باعتقادنا النبي – العالِم ذو القرنين.