مقطع من موسوعة نينورتا التاريخية، الجزء الثاني ص 215.
قد بدأ الباحثون يحددون مسيرة الإنسان والحضارة بحسب علم الجينات الذي يُعتبر اليوم أحدث العلوم الحيوية، لكن حتى هذا العلم بدوره لم يسلم من التسييس وحرف النتائج تبعاً للسياسات العليا التي تدير بعض المؤسسات العلمية والثقافية في الغرب، فنجدهم على سبيل المثال قد حشروا جيناً يُدعى “يهود الشتات” من بين الجينات في البلاد العربية، لا ندري أي علم هذا الذي جعل من العقيدة “جينات”، فهل تعرّض ملك الخزر الخاقان مثلاً الذي اعتنق اليهودية في القرن التاسع ميلادي إلى تحوّر جيني بسبب اعتناقه لليهودية؟، إن مثل تلك الدراسات الخبيثة يجب ألا تنطلي على العقول، وهي ليست سوى رديف من ضمن أدوات العقل الصهيوني العالمي الذي يدير بعض تلك المراكز التي تدّعي البحث العلمي، ومثل ذلك فعلوا حين قاموا بالتركيز على بربر شمال إفريقيا، إذ قاموا بكل ما من شأنه فصلهم عن أصولهم العربية، وقاموا باختلاق فرضية حول الإنسان الأول تتلخص بأنه نشأ في إفريقيا (الشرق الإفريقي) ومنها انتشر شرقاً وغرباً.
بالمقابل ظهر جيل من الدراسات الجينية في الغرب أيضاً أكدت بوضوح أن ثمة أصل واحد جمع بين البشر دعاه العلماء آدم صبغي واي Adam Y-Chromosom، وقالوا بأن هذا الأصل الواحد المنتشر يتشابه مع فكرة اللغة الأصل (ما قبل السامية كما دعوها) والتي انقسمت إلى لهجات وانتشرت مع هذا الإنسان. لنقرأ بعضاً من أهم الدراسات الجينية الحديثة التي نُشرت في أهم المواقع العالمية، وعليها سنبني النتيجة:
- “في علم الوراثة، هابلوغروب هو مجموعة جينات مسلسلة في كروموزوم واي Y الذي يُورَّث عن طريق الرجل، يوجد هابلوغروب J بشكل أساسي في الشرق الأدنى، يُقدر زمن انتشاره بحوالي عشرة آلاف سنة، يرتفع وجوده كلما توجهنا نحو محيط جزيرة العرب (المناطق الساحلية والجبلية).
يقدَّر زمن هجرته الأولى بزمن العصر النيوليتي (العصر الحجري الحديث الذي يعود زمنه ل 9000 قبل الميلاد) المترافق مع إنشاء المستوطنات المعتمدة على الزراعة وهطول الأمطار، وظهور الرعيان النصف بدو (رعاة الشاة أو الشاوية)، في منطقة الهلال الخصيب.
ينقسم هابلوغروب J إلى J1 و J2، لوحظ تواجد J1 بنسب كبيرة لدى الشعوب التي تتحدث العربية في الشرق الأوسط، وجبال طوروس وزاغروس وجنوب العراق، وغرب ايران، كما أن J1 و J2 يوجدان في السودان وأثيوبيا، يعزوها البعض إلى انتشار العربية مع العرب بعد الإسلام في الألف الأول ميلادي، لكن علماء اللغة حديثاً يؤكدون أنه قبل ذلك التاريخ كان هؤلاء السكان يتحدثون “اللغات السامية” التي انحدرت جميعها من لغة أم واحدة، دعوها طليعة السامية Proto-Semitic، تطبيقاً للتسلسل المنطقي الذي تقوم عليه اللغات بالعادة بحيث يفترض أنها تبدأ من لغة أم تنقسم إلى لهجات تأخذ شكل لغات، وهو ما ينطبق على اللغات السامية التي تتشابه فيما بينها بشكل عام، وهذا التشابه يزداد ويتسع كلما كانت المجموعة اللغوية تنتمي إلى منطقة جغرافية واحدة ومتقاربة كمجموعة اللغة الكنعانية في بلاد الشام. يعيد علماء اللغة زمن هذه اللغة الأم، بناءً على دراسات آثارية حديثة، إلى الألف السابع قبل الميلاد، بعد دراسة متعمقة في السهوب القاحلة المتصحِّرة في جزيرة العرب، حيث إن الصحراء التي نراها اليوم لم تكن كذلك قبل خمسة آلاف سنة”. (المجلة الأوروبية لعلوم الجينات البشرية،The emergence of Y-chromosome haplogroup J1e among Arabic-speaking populations – 2009).
- “إن موضوع البحث هو بشكل أساسي على مجموعتي هابلوغروب J وهابلوغروب E، كانت نتيجة البحث أن مجموعة J منتشرة بشكل رئيسي في الشرق الأدنى، شمال إفريقيا، وأوروبا، كان هذا الانتشار بفعل هجرتين أعظميتين حدثتا كانت الأحدث هي التي ترافقت مع ظهور الإسلام حين انطلق العرب من جزيرة العرب والهلال الخصيب، كما أن مجموعة J المتمركزة في جنوب وشرق أوروبا هي سورية الأصول (شامية – أناضولية) إذ نجدهم نقلوا معهم إلى أوروبا أساليب الحياة كمزارعين، كما أن تتبّع المجموعة J يؤكد بوضوح انتشارهم من جنوب البلقان باتجاه الغرب.
أما المجموعة E التي توجد بين البربر بشكل أساسي، فنجدها في ايبيريا وصقلية، لكن أصولها تعود بحسب الدراسات إلى شرق إفريقيا.
يبدو أن تواجد السوبرهابلوغروب J و E قد وصل إلى جنوب أوروبا كنتيجة للتوسع البشري لمزارعين العصر النيوليتي الذي انطلق من الشرق الأوسط”. (المجلة الأميركية لعلوم الجينات البشرية،Origin, Diffusion, and Differentiation of Y-Chromosome Haplogroups E and J: Inferences on the Neolithization of Europe and Later Migratory Events in the Mediterranean Area – 2004).
- “إن هابلوغروب J-M304 نشأ في آسيا الغربية (العربية) قبل 48000 سنة، وانتشر خلال العصر النيوليتي باتجاه شمال إفريقيا، والقرن الإفريقي أو الشرق الإفريقي (الصومال واريتريا وأثيوبيا)، وجبال القوقاز، وأوروبا، وآسيا الوسطى، والهند والشرق الأقصى، كما أنه وُجد في مومياءات مصر القديمة. تراكيزه الأعظمية هي في جزيرة العرب، أما خارج جزيرة العرب فوجد بشكل أساسي في سوريا والعراق ومصر وايران وتركيا، وشمال إفريقيا والقرن الإفريقي، والقوقاز وجنوب أوروبا، بشكل خاص في وسط وجنوب إيطاليا، وجزر البحر المتوسط كمالطا، واليونان وألبانيا، بالإضافة إلى وسط وجنوب آسيا”. (مجلة علوم الجينات البشرية، Y Chromosome tree – 2013).
- “إن هابلوغروب E ينقسم إلى E1 و E2، E1a و E2 وجدا بشكل حصري تقريباً في إفريقيا، وفقط E1b1b لوحظ بترددات مهمة في أوروبا وغرب آسيا بالإضافة إلى إفريقيا. أغلب الإفريقيين جنوب الصحراء الكبرى ينتمون إلى فروع E غير E1b1b، في حين أغلب الغير إفريقيين الذين ينتمون إلى الهابلوغروب E ينتمون إلى الفرع E1b1b الذي هو Y هابلوغروب الأكثر شيوعاً في إثيوبيا والصومال وإريتيريا، وشمال إفريقيا بربر وعرب، وهو ثالث هابلوغروب الأكثر شيوعاً في أوروبا. وهو أيضا شائع في الشرق الأدنى، وينتشر في البلقان وفي باقي أوروبا”. (Fulvio Cruciani et al., Phylogeographic Analysis of Haplogroup E1b1b (E-M215) Y Chromosomes Reveals Multiple Migratory Events Within and Out Of Africa).
- “إن أصل هابلوغروب E-M215 يعود زمنه بحسب العلماء إلى 22000 سنة، في القرن الإفريقي، بينما يعيده البعض إلى شمال شرق إفريقيا (شمال غرب البحر الأحمر حيث تقع مصر) إلى زمن 47000 سنة، وكل الفروع الأساسية المنحدرة من E-M35 (أو E1b1b) يُعتقد بأن أصلها من تلك المنطقة بشكل عام، شمال شرق إفريقيا، أو القرن الإفريقي، أو المناطق القريبة منهم في الشرق الأدنى التي هي جزيرة العرب وبلاد سوريا الشام (غرب آسيا)، بعض فروع هذا الهابلوغروب غادر إفريقيا، وبعضه جاء إليها من الشرق الأدنى منذ آلاف السنين، هذه الحركة تعود للعصر النيوليتي الزراعي، هذا العنصر هاجر أيضاً باتجاه جنوب غرب أوروبا، واستوطن في إسبانيا والسواحل الفرنسية والإيطالية.
كما أثبتت الدراسات على بقايا هياكل النطوفيين في سوريا القديمة (التي تدعى بالمصطلحات التاريخوجغرافية باسم Levant وتُعرَّف في أوساط العلماء كما شرحنا بأنها منطقة واسعة من شرق المتوسط في آسيا الغربية، تتطابق مع منطقة سوريا التاريخية والتي تتضمن سوريا الحالية ولبنان والأردن وفلسطين، وأراضي تركيا الحالية، والعراق، مع الجزر التابعة لها كقبرص – المؤلف)، أنها حملت الهابلوغروب E1b1b، فاستنتج العلماء بأن المزارعين السوريين قد انتشروا على السواحل الإفريقية الشرقية منذ آلاف السنين، بالإضافة إلى العثور على هذه المجموعة في مومياء مصرية قديمة تعود لمصر الوسطى، كما وجدت في المغرب وجزر الكناري”. (Multiple Origins of Ashkenazi Levites: Y Chromosome Evidence for Both Near Eastern and European Ancestries”, Am. J. Hum. Genet).
- “إنّ فهمَنا للهجرة البشرية القديمة يحتاج لإعادة النظر بعد ظهور الدراسات على أقدم جينوم بشري في إفريقيا، لقد توصّل الباحثون إلى أن المادة الجينية للإنسان الذي وُجد في المغرب منذ 15000 سنة تتشارك بالإرث الجيني مع شعوب شرق المتوسط وشعوب جنوب الصحراء الكبرى، وهذا يدل على التداخل والتفاعل الكبير بينها منذ القديم، أبكر زمنياً مما كنا نتوقع، وقد توصل فريق الباحثين الدوليين إلى أن التحاليل تبين بأن شمال إفريقيا والشرق الأدنى، منذ ذاك الزمن المبكر تاريخياً، كانتا عبارة عن جزء من منطقة واحدة بدون أية اختلافات وحواجز جينية، صرّح بذلك السيد جيونغ، ولقد وجدنا بعد دراسة عينات من جينات الإنسان الايبروموراسي الذي وجد في كهف تافورالت شمال المغرب منذ 20000 سنة بأن ثلثي العينات تتطابق مع جينات النطوفيين القدماء في شرق المتوسط”. (Scientists uncover mysteries of ancient culture after studying oldest DNA ever from Africa, Researchers successfully sequence genes from people living in Morocco 15,000 years ago, Tom Embury-Dennis).
- “بينت الدراسات الوراثية على جينوم الإنسان الايبيروموراسي المغاربي القديم الذي يعود زمنه لحوالي 15000 سنة ألفة جينية مع إنسان الشرق الأدنى بخاصّة في شرق المتوسط، من خلال النطوفيين، مما يدعو لاستنتاج صلة قديمة ما قبل زراعية ما بين إفريقيا والشرق الأدنى، ولم نجد أي دليل على تدفق جيني أوروبي نحو شمال إفريقيا في ذلك الوقت، بينما ثلث إنسان تافورالت المغاربي فقط يتشارك جينياً مع جينوم الأفارقة جنوب الصحراء”. (Pleistocene North African genomes link Near Eastern and sub-Saharan African human populations by van de Loosdrecht et al. Science).
- “تضمّنت العينات النطوفية المدروسة ما نسبته 61,2% جينات عربية، و21,2% شمال إفريقية، و10،9% غرب آسيوية، وهذا دليل على أن الانتقال في سوريا التاريخية من العصر الحجري القديم الذي كان حوالي 22000 قبل الميلاد، والمترافق مع أواخر العصر الجليدي، إلى العصر الحجري الحديث أو النيوليتي بعد انحسار العصر الجليدي وابتداء العصر الجيولوجي الحديث (الدفيء)، والذي بدأ حوالي 12000 قبل الميلاد، وتميز بظهور المستعمرات الزراعية، قد ترافق مع زيادة ملحوظة بالسلالة العربية (Arabian ancestry) على حساب السلالات الأخرى”. (Re-analysis of Whole Genome Sequence Data From 279 Ancient Eurasians Reveals Substantial Ancestral Heterogeneity,by Daniel Shriner).
- “استُعمرت قارة أوروبا على ثلاثة مراحل في التاريخ البعيد، دائماً كان الجنس البشري يأتيها من الجنوب، منذ حوالي 45000 سنة دخلها الإنسان العصري قادماً من الجنوب، كانت هذه بداية استيطان أوروبا، والمرحلة الثانية حدثت من حوالي 17000 سنة أيضاً من الجنوب، والمرحلة الثالثة من الاستيطان البشري حدثت هذه المرة من المزارعين الذين جاؤوا إلى أوروبا بتقنيات الزراعة، هؤلاء المزارعون جاؤوا من الشرق الأدنى منذ حوالي 10000 سنة، هذه الهجرات الثلاثة هي سمة دخول الجنس العاقل العصري إلى الأراضي الأوروبية”. (The Genetic Map of Europe,by Nicholas Wad Aug. 13, 2008, ).
- “أول ما تطورت الزراعة في سوريا التاريخية، ثم انتشرت إلى الأناضول، اليونان، البلقان، إيطاليا، ثم وسط وشرق أوروبا. مئات العينات النيوليتية أخذت من كافة أنحاء أوروبا وخاصة في وسط أوروبا وفي ايبيريا (إسبانيا اليوم)، جرى تحليلها ودراستها، وتبيّن أن أولئك المهاجرين الأوائل جاؤوا من الشرق الأدنى”. (Origins, spread and ethnic association of European haplogroups and subclades، by Maciamo Hay، مجلة العلوم الجينية الأوروبية).
- “إن الأوروبيين ليس لديهم سلف جيني واحد، بل هناك فروقات جينية بين شمال وجنوب أوروبا، ونحن نعتقد بأن الإنسان العصري (وليس نياندرتال) بدأ يستوطن أوروبا بالعصر الحجري الأعلى منذ حوالي 40000 سنة، ويمكن أن نسمي هابلوغروب I (M170) الشائع نسبياً اليوم والأوسع انتشاراً في أوروبا كعامل محدِّد للعصر الحجري والذي يعود إلى 22000 قبل الميلاد. لقد نشأت هذه المجموعة من الشرق الأوسط أو القوقاز أومال البحر الأسود”. (,Andres (2009) Genetic Structure of Europeans).