مقطع من #موسوعة_نينورتا_التاريخية – الجزء الثاني، اللغة الأم، للدكتور #أحمد_داوود و د. نينورتا أحمد داوود.
لقد بدأ الباحثون يحددون مسيرة الإنسان والحضارة بحسب علم الجينات الذي يُعتبر اليوم أحدث العلوم الحيوية، لكن حتى هذا العلم بدوره لم يسلم من التسييس وحرف النتائج تبعاً للسياسات العليا التي تدير بعض المؤسسات العلمية والثقافية في الغرب، فنجدهم على سبيل المثال قد حشروا جيناً يُدعى “يهود الشتات” من بين الجينات في البلاد العربية، لا ندري أي علم هذا الذي جعل من العقيدة “جينات”، فهل تعرّض ملك الخزر الخاقان مثلاً الذي اعتنق اليهودية في القرن التاسع ميلادي إلى تحوّر جيني بسبب اعتناقه لليهودية؟، إن مثل تلك الدراسات الخبيثة يجب ألا تنطلي على العقول، وهي ليست سوى رديف من ضمن أدوات العقل الصهيوني العالمي الذي يدير بعض تلك المراكز التي تدّعي البحث العلمي، ومثل ذلك فعلوا حين قاموا بالتركيز على بربر شمال إفريقيا، إذ قاموا بكل ما من شأنه فصلهم عن أصولهم العربية، وقاموا باختلاق فرضية حول الإنسان الأول تتلخص بأنه نشأ في إفريقيا (الشرق الإفريقي) ومنها انتشر شرقاً وغرباً.
بالمقابل ظهر جيل من الدراسات الجينية في الغرب أيضاً أكدت بوضوح أن ثمة أصل واحد جمع بين البشر دعاه العلماء آدم صبغي واي Adam Y-Chromosom، وقالوا بأن هذا الأصل الواحد المنتشر يتشابه مع فكرة اللغة الأصل (ما قبل السامية كما دعوها) والتي انقسمت إلى لهجات وانتشرت مع هذا الإنسان. لنقرأ بعضاً من أهم الدراسات الجينية الحديثة التي نُشرت في أهم المواقع العالمية، وعليها سنبني النتيجة:
“في علم الوراثة، هابلوغروب هو مجموعة جينات مسلسلة في كروموزوم واي Y الذي يُورَّث عن طريق الرجل، يوجد هابلوغروب J بشكل أساسي في الشرق الأدنى، يُقدر زمن انتشاره بحوالي عشرة آلاف سنة، يرتفع وجوده كلما توجهنا نحو محيط جزيرة العرب (المناطق الساحلية والجبلية).
يقدَّر زمن هجرته الأولى بزمن العصر النيوليتي (العصر الحجري الحديث الذي يعود زمنه ل 9000 قبل الميلاد) المترافق مع إنشاء المستوطنات المعتمدة على الزراعة وهطول الأمطار، وظهور الرعيان النصف بدو (رعاة الشاة أو الشاوية)، في منطقة الهلال الخصيب.
ينقسم هابلوغروبJ إلى J1 و J2، لوحظ تواجدJ1 بنسب كبيرة لدى الشعوب التي تتحدث العربية في الشرق الأوسط، وجبال طوروس وزاغروس وجنوب العراق، وغرب ايران، كما أن J1 و J2 يوجدان في السودان وأثيوبيا، يعزوها البعض إلى انتشار العربية مع العرب بعد الإسلام في الألف الأول ميلادي، لكن علماء اللغة حديثاً يؤكدون أنه قبل ذلك التاريخ كان هؤلاء السكان يتحدثون “اللغات السامية” التي انحدرت جميعها من لغة أم واحدة، دعوها طليعة السامية Proto-Semitic، تطبيقاً للتسلسل المنطقي الذي تقوم عليه اللغات بالعادة بحيث يفترض أنها تبدأ من لغة أم تنقسم إلى لهجات تأخذ شكل لغات، وهو ما ينطبق على اللغات السامية التي تتشابه فيما بينها بشكل عام، وهذا التشابه يزداد ويتسع كلما كانت المجموعة اللغوية تنتمي إلى منطقة جغرافية واحدة ومتقاربة كمجموعة اللغة الكنعانية في بلاد الشام. يعيد علماء اللغة زمن هذه اللغة الأم، بناءً على دراسات آثارية حديثة، إلى الألف السابع قبل الميلاد، بعد دراسة متعمقة في السهوب القاحلة المتصحِّرة في جزيرة العرب، حيث إن الصحراء التي نراها اليوم لم تكن كذلك قبل خمسة آلاف سنة”. (المجلة الأوروبية لعلوم الجينات البشرية،The emergence of Y-chromosome haplogroup J1e among Arabic-speaking populations – 2009).
- “إن موضوع البحث هو بشكل أساسي على مجموعتي هابلوغروب J وهابلوغروب E، كانت نتيجة البحث أن مجموعة J منتشرة بشكل رئيسي في الشرق الأدنى، شمال إفريقيا، وأوروبا، كان هذا الانتشار بفعل هجرتين أعظميتين حدثتا كانت الأحدث هي التي ترافقت مع ظهور الإسلام حين انطلق العرب من جزيرة العرب والهلال الخصيب، كما أن مجموعة J المتمركزة في جنوب وشرق أوروبا هي سورية الأصول (شامية – أناضولية) إذ نجدهم نقلوا معهم إلى أوروبا أساليب الحياة كمزارعين، كما أن تتبّع المجموعة J يؤكد بوضوح انتشارهم من جنوب البلقان باتجاه الغرب.
أما المجموعة E التي توجد بين البربر بشكل أساسي، فنجدها في ايبيريا وصقلية، لكن أصولها تعود بحسب الدراسات إلى شرق إفريقيا.
يبدو أن تواجد السوبرهابلوغروب J و E قد وصل إلى جنوب أوروبا كنتيجة للتوسع البشري لمزارعين العصر النيوليتي الذي انطلق من الشرق الأوسط”. (المجلة الأميركية لعلوم الجينات البشرية،Origin, Diffusion, and Differentiation of Y-Chromosome Haplogroups E and J: Inferences on the Neolithization of Europe and Later Migratory Events in the Mediterranean Area – 2004).
- “إن هابلوغروب J-M304 نشأ في آسيا الغربية (العربية) قبل 48000 سنة، وانتشر خلال العصر النيوليتي باتجاه شمال إفريقيا، والقرن الإفريقي أو الشرق الإفريقي (الصومال واريتريا وأثيوبيا)، وجبال القوقاز، وأوروبا، وآسيا الوسطى، والهند والشرق الأقصى، كما أنه وُجد في مومياءات مصر القديمة. تراكيزه الأعظمية هي في جزيرة العرب، أما خارج جزيرة العرب فوجد بشكل أساسي في سوريا والعراق ومصر وايران وتركيا، وشمال إفريقيا والقرن الإفريقي، والقوقاز وجنوب أوروبا، بشكل خاص في وسط وجنوب إيطاليا، وجزر البحر المتوسط كمالطا، واليونان وألبانيا، بالإضافة إلى وسط وجنوب آسيا”. (مجلة علوم الجينات البشرية، Y Chromosome tree – 2013).
- – “إن هابلوغروب E ينقسم إلى E1 و E2، E1a و E2 وجدا بشكل حصري تقريباً في إفريقيا، وفقط E1b1b لوحظ بترددات مهمة في أوروبا وغرب آسيا بالإضافة إلى إفريقيا. أغلب الإفريقيين جنوب الصحراء الكبرى ينتمون إلى فروع E غير E1b1b، في حين أغلب الغير إفريقيين الذين ينتمون إلى الهابلوغروب E ينتمون إلى الفرع E1b1b الذي هو Y هابلوغروب الأكثر شيوعاً في إثيوبيا والصومال وإريتيريا، وشمال إفريقيا بربر وعرب، وهو ثالث هابلوغروب الأكثر شيوعاً في أوروبا. وهو أيضا شائع في الشرق الأدنى، وينتشر في البلقان وفي باقي أوروبا”. (Fulvio Cruciani et al., Phylogeographic Analysis of Haplogroup E1b1b (E-M215) Y Chromosomes Reveals Multiple Migratory Events Within and Out Of Africa).
- “إن أصل هابلوغروب E-M215 يعود زمنه بحسب العلماء إلى 22000 سنة، في القرن الإفريقي، بينما يعيده البعض إلى شمال شرق إفريقيا (شمال غرب البحر الأحمر حيث تقع مصر) إلى زمن 47000 سنة، وكل الفروع الأساسية المنحدرة من E-M35 (أو E1b1b) يُعتقد بأن أصلها من تلك المنطقة بشكل عام، شمال شرق إفريقيا، أو القرن الإفريقي، أو المناطق القريبة منهم في الشرق الأدنى التي هي جزيرة العرب وبلاد سوريا الشام (غرب آسيا)، بعض فروع هذا الهابلوغروب غادر إفريقيا، وبعضه جاء إليها من الشرق الأدنى منذ آلاف السنين، هذه الحركة تعود للعصر النيوليتي الزراعي، هذا العنصر هاجر أيضاً باتجاه جنوب غرب أوروبا، واستوطن في إسبانيا والسواحل الفرنسية والإيطالية.
كما أثبتت الدراسات على بقايا هياكل النطوفيين في سوريا القديمة (التي تدعى بالمصطلحات التاريخوجغرافية باسم Levant وتُعرَّف في أوساط العلماء كما شرحنا بأنها منطقة واسعة من شرق المتوسط في آسيا الغربية، تتطابق مع منطقة سوريا التاريخية والتي تتضمن سوريا الحالية ولبنان والأردن وفلسطين، وأراضي تركيا الحالية، والعراق، مع الجزر التابعة لها كقبرص – المؤلف)، أنها حملت الهابلوغروب E1b1b، فاستنتج العلماء بأن المزارعين السوريين قد انتشروا على السواحل الإفريقية الشرقية منذ آلاف السنين، بالإضافة إلى العثور على هذه المجموعة في مومياء مصرية قديمة تعود لمصر الوسطى، كما وجدت في المغرب وجزر الكناري”. (Multiple Origins of Ashkenazi Levites: Y Chromosome Evidence for Both Near Eastern and European Ancestries”, Am. J. Hum. Genet).
“إنّ فهمَنا للهجرة البشرية القديمة يحتاج لإعادة النظر بعد ظهور الدراسات على أقدم جينوم بشري في إفريقيا، لقد توصّل الباحثون إلى أن المادة الجينية للإنسان الذي وُجد في المغرب منذ 15000 سنة تتشارك بالإرث الجيني مع شعوب شرق المتوسط وشعوب جنوب الصحراء الكبرى، وهذا يدل على التداخل والتفاعل الكبير بينها منذ القديم، أبكر زمنياً مما كنا نتوقع، وقد توصل فريق الباحثين الدوليين إلى أن التحاليل تبين بأن شمال إفريقيا والشرق الأدنى، منذ ذاك الزمن المبكر تاريخياً، كانتا عبارة عن جزء من منطقة واحدة بدون أية اختلافات وحواجز جينية، صرّح بذلك السيد جيونغ، ولقد وجدنا بعد دراسة عينات من جينات الإنسان الايبروموراسي الذي وجد في كهف تافورالت شمال المغرب منذ 20000 سنة بأن ثلثي العينات تتطابق مع جينات النطوفيين القدماء في شرق المتوسط”. (Scientists uncover mysteries of ancient culture after studying oldest DNA ever from Africa, Researchers successfully sequence genes from people living in Morocco 15,000 years ago, Tom Embury-Dennis).
“بينت الدراسات الوراثية على جينوم الإنسان الايبيروموراسي المغاربي القديم الذي يعود زمنه لحوالي 15000 سنة ألفة جينية مع إنسان الشرق الأدنى بخاصّة في شرق المتوسط، من خلال النطوفيين، مما يدعو لاستنتاج صلة قديمة ما قبل زراعية ما بين إفريقيا والشرق الأدنى، ولم نجد أي دليل على تدفق جيني أوروبي نحو شمال إفريقيا في ذلك الوقت، بينما ثلث إنسان تافورالت المغاربي فقط يتشارك جينياً مع جينوم الأفارقة جنوب الصحراء”. (Pleistocene North African genomes link Near Eastern and sub-Saharan African human populations by van de Loosdrecht et al. Science).
“تضمّنت العينات النطوفية المدروسة ما نسبته 61,2% جينات عربية، و21,2% شمال إفريقية، و10،9% غرب آسيوية، وهذا دليل على أن الانتقال في سوريا التاريخية من العصر الحجري القديم الذي كان حوالي 22000 قبل الميلاد، والمترافق مع أواخر العصر الجليدي، إلى العصر الحجري الحديث أو النيوليتي بعد انحسار العصر الجليدي وابتداء العصر الجيولوجي الحديث (الدفيء)، والذي بدأ حوالي 12000 قبل الميلاد، وتميز بظهور المستعمرات الزراعية، قد ترافق مع زيادة ملحوظة بالسلالة العربية (Arabian ancestry) على حساب السلالات الأخرى”. (Re-analysis of Whole Genome Sequence Data From 279 Ancient Eurasians Reveals Substantial Ancestral Heterogeneity,by Daniel Shriner).
“استُعمرت قارة أوروبا على ثلاثة مراحل في التاريخ البعيد، دائماً كان الجنس البشري يأتيها من الجنوب، منذ حوالي 45000 سنة دخلها الإنسان العصري قادماً من الجنوب، كانت هذه بداية استيطان أوروبا، والمرحلة الثانية حدثت من حوالي 17000 سنة أيضاً من الجنوب، والمرحلة الثالثة من الاستيطان البشري حدثت هذه المرة من المزارعين الذين جاؤوا إلى أوروبا بتقنيات الزراعة، هؤلاء المزارعون جاؤوا من الشرق الأدنى منذ حوالي 10000 سنة، هذه الهجرات الثلاثة هي سمة دخول الجنس العاقل العصري إلى الأراضي الأوروبية”. (The Genetic Map of Europe,by Nicholas Wad Aug. 13, 2008, ).
“أول ما تطورت الزراعة في سوريا التاريخية، ثم انتشرت إلى الأناضول، اليونان، البلقان، إيطاليا، ثم وسط وشرق أوروبا. مئات العينات النيوليتية أخذت من كافة أنحاء أوروبا وخاصة في وسط أوروبا وفي ايبيريا (إسبانيا اليوم)، جرى تحليلها ودراستها، وتبيّن أن أولئك المهاجرين الأوائل جاؤوا من الشرق الأدنى”. (Origins, spread and ethnic association of European haplogroups and subclades، by Maciamo Hay، مجلة العلوم الجينية الأوروبية).
“إن الأوروبيين ليس لديهم سلف جيني واحد، بل هناك فروقات جينية بين شمال وجنوب أوروبا، ونحن نعتقد بأن الإنسان العصري (وليس نياندرتال) بدأ يستوطن أوروبا بالعصر الحجري الأعلى منذ حوالي 40000 سنة، ويمكن أن نسمي هابلوغروب I (M170) الشائع نسبياً اليوم والأوسع انتشاراً في أوروبا كعامل محدِّد للعصر الحجري والذي يعود إلى 22000 قبل الميلاد. لقد نشأت هذه المجموعة من الشرق الأوسط أو القوقاز أو من سلالتهم القريبة، التي ظهرت منها مجموعة J1 حوالي 25000 قبل الميلاد، في حين أن هابلوغروب R1 الموجود لدى الرجال الأوروبيين يعتقد أنه ظهر في آسيا الوسطى التي تمتد بين بحر قزوين والصين وما بين ايران أفغانستان وروسيا، لكن يعتقد العلماء أن هذا الهابلوغروب أحدث زمنياً من J1، ففي حين قدّروا زمن ظهور J1 ب 38500 سنة، فإن R1 ظهر حوالي 18000 قبل الميلاد، هذا يؤكد بأن موجة الاستيطان الأولى في أوروبا تشكلت من المجموعة J1 (العربية)، ثم جاءت مجموعة R1 متأخرة زمنياً. بهذا وبعد تحليل المعطيات الجينية نصل إلى نتيجة حتمية بأن نمطين منفصلين من الإنسان العصري دخلا أوروبا من وجهتين مختلفتين، هما نمط الشرق الأوسط (العربي) قادماً عن طريق البلقان، ونمط وسط آسيا قادماً عن طريق الأوراس شمال البحر الأسود”. (,Andres (2009) Genetic Structure of Europeans).
وهناك أيضاً دراسات جينية تتعقب الحمض الوراثي الخاص بالميتوكوندريا، الدراسات المتعلقة بتلك البحوث تأخذ مجموعات الجينات هذه من DNA المتقدّرات البشرية، إذ عن طريقها يمكن معرفة تفرع السلالات، على الأخص من جهة الأم؛ لأن المتقدرات (ميتوكوندريا) تُورَّث من الأم فقط. المرأة الأصل لكل هذه المجموعات هي السلف المشترك من جهة الأم (سلالة أنثوية) لكل البشر الذين هم على قيد الحياة، أطلق عليها العلماء تسمية حوّاء الميتوكوندرية Mitochondrial Eve .
الرموز المستخدمة لتعريف مجموعات الجينات المأخودة من دنا المتقدرات هي رموز تبدأ من A إلى Z تماماً كهابلوغروب Y وقد سميت بهذه الحروف بحسب تاريخ اكتشافها طبقاً لتتابع الحروف الهجائية الإنجليزية، وهي لا تعكس العلاقات الجينية الواقعية وتسلسلها الزمني الحقيقي.
دنا DNA المتقدرة يحدث فيه طفرات مع مرور الزمن وهو معروف بمعدل طفرات جزيئات المتقدرة البشرية، أو ساعة جزيئات المتقدرات وهي موضوع البحث العلمي الذي بدأ حالياً، وتبين إحدى الدراسات التي تمت أن طفرة mutation تحدث فيها كل 8000 سنة.
باختصار يمكن اعتبار Haplogroups كأفرع كبيرة من نسب الإنسان العاقل، تجمع كل هابلوغروب أشخاصاً لديهم نفس الملف الوراثي ويشاركهم سلف مشترك.
تنتمي مجموعة هابلوغروب من كروموسوم Y إلى رجال لديهم سلف مشترك في خط ذكري خالص ينتقل دائماً من الأب إلى الأبناء، بينما تنتمي مجموعة هابلوغروب المتقدرة mtDNA إلى رجال ونساء لديهم سلف مشترك في سلالة أنثوية بحتة تنتقل دائماً من الأم إلى الأبناء.
تُظهر فروع هابلوغروب كيف تحرّك السكان على الأرض، كما تحدد المجموعات الأقدم والأكبر انتشاراً، والمجموعات الفرعية الأصغر سناً.
لتحديد haplogroup واحد يحلل SNPs (تعدد أشكال النوكليوتيدات المفردة) وهي اختلافات في أزواج قاعدة مفردة في خيط DNA. على الرغم من أن مجموعات الهابلوغروب لا تلعب دوراً رئيسياً من وجهة نظر الأنساب إذ لا يمكن تحديدها لأقدم من 1000 سنة، إلا أنها ذات أهمية من منظور أنثروبولوجي وتاريخي، إذ يمكن تتبع تداعيات مجموعات haplogroups والمجموعات الفرعية، ويمكن العثور على معلومات مثيرة للاهتمام حول حركات هجرة الأجداد الأوائل.
العرّاب / آدم كروموسوم Y: على الرغم من أن هذا الرجل ليس أسلاف جميع البشر إلا أنه آخر شخص في التاريخ يرتبط بجميع الرجال الذين يعيشون في أي وقت من خلال خط غير منقطع من ذرية الذكور. وفقاً لتقديرات اليوم عاش هذا الرجل منذ حوالي 60،000 إلى 90،000 عام. استمر هذا الرجل في أن يرث كروموسوم Y الخاص به، ولكن على مر الأجيال تمت إضافة المزيد والمزيد من الطفرات مما تسبب في تغيير الملف الشخصي. هكذا نشأت مجموعات الهابلوغروب بدءاً من سلف واحد.
الأم البدئية / حوّاء الميتوكوندريا: هي المرأة التي طور منها الحمض النووي للميتوكوندريا (mtDNA) الحمض الريبي النووي لجميع البشر الذين يعيشون اليوم. تشبه كروموسوم آدم Y، فهي، إذا جاز التعبير، والدة جميع الرجال في خط الأم البحت، عاشت منذ حوالي 175000 عام.
والآن سنستعرض بعضاً من أهم الدراسات التي جرت على جينات الميتوكوندريا البشرية:
- “إن الاستنباط القوي الذي نجم عن دراسة شجرة النشوء والتطور الجيني ومعالجة المعلومات بدقة له أهمية كبيرة، فالدراسات الأولية التي ظهرت عام 1980 تضمنت بأن جذور مورثات الميتوكوندرية البشرية تعود إلى آسيا، مع ذلك فإن تحليلات تمت على مواقع مختلفة من تسلسل مورثات الميتوكوندريا اقترحت بأن جميع المتغيرات التي لوحظت في سكان الوقت الحالي مشتقة من سلف أنثوي واحد، افتُرض أنها عاشت منذ 200 ألف سنة في إفريقيا، مع هذا فإن الدراسات الجينية التي تمّت لم تكن قوية بما فيه الكفاية، فخضعت لانتقادات كبيرة وطرح نقاد هذه الأطروحة جذوراً أخرى للسلف الأولي، وإن مسألة الأصول الإفريقية خضعت لتحديات متكررة وإصلاحات في العقود اللاحقة، وإن المتغيرات الملاحظة في تسلسلات المورثات الميتوكوندرية بين البشر هي أعلى بشكل واضح من المتغيرات القائمة على كروموزومات Y وتشهد إفريقيا التنوع الأكبر، وإن مزيداً من العينات المدروسة أظهرت جذوراً للمورثات الميتوكوندرية وفروعها محصورة في جنوب الصحراء في إفريقيا أخذت الحرف L افترض زمنها 90 – 150 ألف سنة، وهذا الهابلوغروب نادر الوجود خارج إفريقيا، لكن ظهرت عنها الفروع الكبرى M و N التي تعود زمنياً إلى 50 – 70 ألف سنة، ثم ظهرت من N فروع R ثم U”. (Maternal ancestry and population history from whole mitochondrial (genomes, Toomas Kivisild)
- “بترددات منخفضة من الميتوكوندريا والواي كروموزوم للأنساب نشكل تخيلاً للانتشار البشري، هذا التردد الجيني يمكن أن يكون غنياً بالمعلومات حول الأحداث السحيقة للإنسان ما قبل التاريخ.
ميتوكوندريا هابلوغروب N1a1a و X التي اكتشفت في جينات بقايا بشر ما قبل التاريخ وبشر زمننا الحالي هي أمثلة جيدة خصوصاً بمقارنتها مع هابلوغروب R0a المتقدرات الذي لا يوجد في بقايا بشر ما قبل التاريخ.
R0a فريد من نوعه من حيث تواتره العالي في جزيرة العرب وهو شائع في باب المندب والقرن الإفريقي، علماً بأن القرن يحمل جينومات غير إفريقية الأصل. توصلت الدراسات إلى أن 30 – 50% من هذا الموروث الغير إفريقي للشعوب المتحدثة بالكوشية والسامية هو نتيجة تمازج جاء قادماً من جزيرة العرب منذ 3000 سنة، لكن دراسات جينية أخرى حول mtDNA وجدت تدفقاً جينياً أقدم من المذكور بكثير جاء من سوريا وجزيرة العرب نحو القرن الإفريقي.
هابلوغروب M1 جاء من شرق المتوسط في زمن ما من العصر الجليدي الأخير، أما هابلوغروب N1a1a الملاحظ في القرن الإفريقي فقد ظهر أيضاً في العصر الجليدي الأخير في جزيرة العرب.
إن هذه الدراسات الواسعة والمتعددة على المورثات الميتوكوندرية وعلى واي كروموزوم قدمت دلائل متقدمة على ما سبقها تدعم السيناريو الذي يقول بأن هجرات قديمة قد حدثت كان منطلقها جزيرة العرب اتجهت باتجاه القرن الإفريقي قبل انتشار الزراعة، فقد لوحظ جينوم عربي/شرق أدنوي في 40% من شعب أثيوبيا.
أما النسب الميتوكوندري الذي ندعوه بالأوراسي الذي يتشارك به القرن الإفريقي مع جزيرة العرب فهو R0a الذي وجد بتراكيز خفيفة غرب أوراسيا بينما بلغ أكثر من 35% في شرق اليمن، لذلك فالمنطق يقول بأنه ظهر في الشرق الأدنى في العصر الجليدي ثم انتشر، ولا يصح بذلك أن ندعوه بالجينوم الأوراسي، وبناء على المعلومات الجديدة فقد افترض بعض العلماء الجينيين سلالة أقدم ضمن جزيرة العرب وهذا لقى اهتماماً واسعاً لأن دلائل وجود سلالة عربية أقدم زمنياً تلمح لوجود مناطق مأهولة في جزيرة العرب خلال فترة العصر الجليدي، ومن الواجب دراسة تاريخ وجودها في أوروبا التي عثر بها ترددات للمورثات الميتوكوندرية نمط R0a وأختها أحادية السلف R0b اللتان تعودان إلى 40000 سنة وتنحدران من سلف يعود زمنه لـ 59 ألف سنة والتي توجد أيضاً في شعوب شرق آسيا.
مصدر عربي لأنساب نمط هابلوغروب R0a الأكبر: أثبتت التحليلات بأن هذه السلالة الكبرى جاءت من جزيرة العرب وبخاصة اليمن، وفروعها تربط بين العرب والمغاربة، وإن هذا الأصل العربي يعود إلى 26000 سنة على الأقل، كما أثبتت هذه التحليلات بأن سلالات جينية ايرانية وعراقية وسورية لديها هذا السلف العربي الأكبر الذي تدفق باتجاه الهلال الخصيب منذ نهايات العصر الجليدي الأخير”. (Mapping human dispersals into the Horn of Africa from Arabian Ice Age refugia using mitogenomes, Francesca Gandini, Alessandro Achilli, Maria Pala, Martin Bodner, Stefania Brandini, Scientific reports)
- “لقد أثبتت التحليلات الجينية بأن الكثيرين من العرب المسلمين في سوريا التاريخية ينحدرون سلالياً من مسيحيين ويهود عاشوا في جنوب سوريا، والذين ينحدرون بدورهم من السكان الأصليين لهذه المنطقة منذ زمن ما قبل التاريخ، إن عالم الجينات مايكل هامر من جامعة أريزونا وجد بأن واي كروموزوم العربي لا يختلف كثيراً عن ذاك الذي درسه على يهود المنطقة، مما دعاهم للاستنتاج بأن سلفاً مشتركاً كان موجوداً هناك منذ آلاف السنين”. (Jews and Arabs Share Recent Ancestry, By Ann Gibbons )
- “إن هابلوغروب المتقدرة البشرية U هو بين المؤسِّسات الأمومية البدئية في جنوب غرب آسيا وأوروبا وهي من أفضل المؤشرات على استمرارية الجينات الأمومية بين العصر الحجري المتأخر لمجموعات الصيادين – جامعي القوت وسكان أوروبا الحاليين. ففي حين أن معظم الشرائح الفرعية من هابلوغروب U هي أقدم زمنياً من 30 ألف سنة، فإن زمن الاندماج الحديث نسبياً للتباين الموجود في هابلوغروب U7 (الذي يعود زمنه إلى 16 – 19 ألف سنة) يقترح بأن توزعه الحالي هو نتيجة لحوادث انتشار أحدث زمنياً بالرغم من منطقة توزعه الجغرافية الواسعة في أنحاء أوروبا، والشرق الأدنى وجنوب آسيا.
إن تقارير الدراسات على أنواعه الجديدة مكنتنا من تمييز مرحلتي انتشار مستقلتين زمنياً، كلاهما انبثقتا من الشرق الأدنى، الأقدم حدثت منذ حوالي 12000 سنة باتجاه جنوب آسيا، والأحدث باتجاه أوروبا المتوسطية منذ 8000 سنة، وهذا يسبق زمنياً توسع ما دعاه البعض باللغات الهندو – أوروبية المفترض والذي قيل أنه يعود للعصر البرونزي”. (Scientific reports, Origin and spread of human mitochondrial DNA haplogroup U7, Baharak Hooshiar Kashani).
- “إن مفهوم العرْق هو مفهوم اجتماعي – سياسي بالدرجة الأولى، لكن العلماء رفضوه تماماً كمفهوم بيولوجي جيني، واستبدلوه بمصطلح الأسلاف، ذلك لأن العرْق كتصنيف يستندون إليه بناءً على لون البشرة مع ملامح أخرى كالطول، العيون، والشعر، وهي اختلافات ظاهرية على المستوى السطحي، ستصدمون حين تعلمون أن ما يحددها هو قطعة بالغة الصغر من خريطة الجينوم الكلي للبشر، إن نوعنا البشري يتشارك ب 99,9% من المورثات، والباقي يختلف بحسب البيئة المحيطة والعوامل الخارجية التي لا علاقة لها بالبنية الجزيئية الأساسية.
إن الجزيئات الصغيرة المسؤولة عن هذه الاختلافات، التي دعوناها بالمنكّهات الوراثية، هي الألّيلات، بمعنى آخر إن جميع البشر يرثون نفس الكود الجيني الذي يخص الشعر على سبيل المثال، لكن الألّيل يحدد نوع هذا الشعر ولونه، وعليه فإن حشر البشر تحت تصنيفات عرقية بحسب لون بشرتهم، بات مرفوضاً من الناحية العلمية”. (How Science and Genetics are Reshaping the Race, Harvard University, by Vivian Chou)
إذن وبعد استعراض هذه الدراسات العالمية في أهم المواقع البحثية، نجد بكل وضوح أن كل ما حاول واضعو التاريخ البشري حديثاً رسمه لأهداف جيوسياسية عار عن الصحة تماماً.
في المقال القادم سنناقش نتائج هذه الدراسات الجينية لنستخلص الحقيقة التي كثيراً ما تحير الناس حول أصل الإنسان العاقل.