والآن سنستعرض بعضاً من أهم الدراسات التي جرت على جينات الميتوكوندريا البشرية:
“إن الاستنباط القوي الذي نجم عن دراسة شجرة النشوء والتطور الجيني ومعالجة المعلومات بدقة له أهمية كبيرة، فالدراسات الأولية التي ظهرت عام 1980 تضمنت بأن جذور مورثات الميتوكوندرية البشرية تعود إلى آسيا، مع ذلك فإن تحليلات تمت على مواقع مختلفة من تسلسل مورثات الميتوكوندريا اقترحت بأن جميع المتغيرات التي لوحظت في سكان الوقت الحالي مشتقة من سلف أنثوي واحد، افتُرض أنها عاشت منذ 200 ألف سنة في إفريقيا، مع هذا فإن الدراسات الجينية التي تمّت لم تكن قوية بما فيه الكفاية، فخضعت لانتقادات كبيرة وطرح نقاد هذه الأطروحة جذوراً أخرى للسلف الأولي، وإن مسألة الأصول الإفريقية خضعت لتحديات متكررة وإصلاحات في العقود اللاحقة، وإن المتغيرات الملاحظة في تسلسلات المورثات الميتوكوندرية بين البشر هي أعلى بشكل واضح من المتغيرات القائمة على كروموزومات Y وتشهد إفريقيا التنوع الأكبر، وإن مزيداً من العينات المدروسة أظهرت جذوراً للمورثات الميتوكوندرية وفروعها محصورة في جنوب الصحراء في إفريقيا أخذت الحرف L افترض زمنها 90 – 150 ألف سنة، وهذا الهابلوغروب نادر الوجود خارج إفريقيا، لكن ظهرت عنها الفروع الكبرى M و N التي تعود زمنياً إلى 50 – 70 ألف سنة، ثم ظهرت من N فروع R ثم U”. (Maternal ancestry and population history from whole mitochondrial genomes, Toomas Kivisild)
“بترددات منخفضة من الميتوكوندريا والواي كروموزوم للأنساب نشكل تخيلاً للانتشار البشري، هذا التردد الجيني يمكن أن يكون غنياً بالمعلومات حول الأحداث السحيقة للإنسان ما قبل التاريخ
ميتوكوندريا هابلوغروب N1a1a و X التي اكتشفت في جينات بقايا بشر ما قبل التاريخ وبشر زمننا الحالي هي أمثلة جيدة خصوصاً بمقارنتها مع هابلوغروب R0a المتقدرات الذي لا يوجد في بقايا بشر ما قبل التاريخ.
R0a فريد من نوعه من حيث تواتره العالي في جزيرة العرب وهو شائع في باب المندب والقرن الإفريقي، علماً بأن القرن يحمل جينومات غير إفريقية الأصل. توصلت الدراسات إلى أن 30 – 50% من هذا الموروث الغير إفريقي للشعوب المتحدثة بالكوشية والسامية هو نتيجة تمازج جاء قادماً من جزيرة العرب منذ 3000 سنة، لكن دراسات جينية أخرى حول mtDNA وجدت تدفقاً جينياً أقدم من المذكور بكثير جاء من سوريا وجزيرة العرب نحو القرن الإفريقي.
هابلوغروب M1 جاء من شرق المتوسط في زمن ما من العصر الجليدي الأخير، أما هابلوغروب N1a1a الملاحظ في القرن الإفريقي فقد ظهر أيضاً في العصر الجليدي الأخير في جزيرة العرب.
إن هذه الدراسات الواسعة والمتعددة على المورثات الميتوكوندرية وعلى واي كروموزوم قدمت دلائل متقدمة على ما سبقها تدعم السيناريو الذي يقول بأن هجرات قديمة قد حدثت كان منطلقها جزيرة العرب اتجهت باتجاه القرن الإفريقي قبل انتشار الزراعة، فقد لوحظ جينوم عربي/شرق أدنوي في 40% من شعب أثيوبيا.
أما النسب الميتوكوندري الذي ندعوه بالأوراسي الذي يتشارك به القرن الإفريقي مع جزيرة العرب فهو R0a الذي وجد بتراكيز خفيفة غرب أوراسيا بينما بلغ أكثر من 35% في شرق اليمن، لذلك فالمنطق يقول بأنه ظهر في الشرق الأدنى في العصر الجليدي ثم انتشر، ولا يصح بذلك أن ندعوه بالجينوم الأوراسي، وبناء على المعلومات الجديدة فقد افترض بعض العلماء الجينيين سلالة أقدم ضمن جزيرة العرب وهذا لقى اهتماماً واسعاً لأن دلائل وجود سلالة عربية أقدم زمنياً تلمح لوجود مناطق مأهولة في جزيرة العرب خلال فترة العصر الجليدي، ومن الواجب دراسة تاريخ وجودها في أوروبا التي عثر بها ترددات للمورثات الميتوكوندرية نمط R0a وأختها أحادية السلف R0b اللتان تعودان إلى 40000 سنة وتنحدران من سلف يعود زمنه لـ 59 ألف سنة والتي توجد أيضاً في شعوب شرق آسيا.
مصدر عربي لأنساب نمط هابلوغروب R0a الأكبر: أثبتت التحليلات بأن هذه السلالة الكبرى جاءت من جزيرة العرب وبخاصة اليمن، وفروعها تربط بين العرب والمغاربة، وإن هذا الأصل العربي يعود إلى 26000 سنة على الأقل، كما أثبتت هذه التحليلات بأن سلالات جينية ايرانية وعراقية وسورية لديها هذا السلف العربي الأكبر الذي تدفق باتجاه الهلال الخصيب منذ نهايات العصر الجليدي الأخير”. (Mapping human dispersals into the Horn of Africa from Arabian Ice Age refugia using mitogenomes, Francesca Gandini, Alessandro Achilli, Maria Pala, Martin Bodner, Stefania Brandini, Scientific reports)
“لقد أثبتت التحليلات الجينية بأن الكثيرين من العرب المسلمين في سوريا التاريخية ينحدرون سلالياً من مسيحيين ويهود عاشوا في جنوب سوريا، والذين ينحدرون بدورهم من السكان الأصليين لهذه المنطقة منذ زمن ما قبل التاريخ، إن عالم الجينات مايكل هامر من جامعة أريزونا وجد بأن واي كروموزوم العربي لا يختلف كثيراً عن ذاك الذي درسه على يهود المنطقة، مما دعاهم للاستنتاج بأن سلفاً مشتركاً كان موجوداً هناك منذ آلاف السنين”. (Jews and Arabs Share Recent Ancestry, By Ann Gibbons )
“إن هابلوغروب المتقدرة البشرية U هو بين المؤسِّسات الأمومية البدئية في جنوب غرب آسيا وأوروبا وهي من أفضل المؤشرات على استمرارية الجينات الأمومية بين العصر الحجري المتأخر لمجموعات الصيادين – جامعي القوت وسكان أوروبا الحاليين. ففي حين أن معظم الشرائح الفرعية من هابلوغروب U هي أقدم زمنياً من 30 ألف سنة، فإن زمن الاندماج الحديث نسبياً للتباين الموجود في هابلوغروب U7 (الذي يعود زمنه إلى 16 – 19 ألف سنة) يقترح بأن توزعه الحالي هو نتيجة لحوادث انتشار أحدث زمنياً بالرغم من منطقة توزعه الجغرافية الواسعة في أنحاء أوروبا، والشرق الأدنى وجنوب آسيا.
إن تقارير الدراسات على أنواعه الجديدة مكنتنا من تمييز مرحلتي انتشار مستقلتين زمنياً، كلاهما انبثقتا من الشرق الأدنى، الأقدم حدثت منذ حوالي 12000 سنة باتجاه جنوب آسيا، والأحدث باتجاه أوروبا المتوسطية منذ 8000 سنة، وهذا يسبق زمنياً توسع ما دعاه البعض باللغات الهندو – أوروبية المفترض والذي قيل أنه يعود للعصر البرونزي”. (Scientific reports, Origin and spread of human mitochondrial DNA haplogroup U7, Baharak Hooshiar Kashani).
“إن مفهوم العرْق هو مفهوم اجتماعي – سياسي بالدرجة الأولى، لكن العلماء رفضوه تماماً كمفهوم بيولوجي جيني، واستبدلوه بمصطلح الأسلاف، ذلك لأن العرْق كتصنيف يستندون إليه بناءً على لون البشرة مع ملامح أخرى كالطول، العيون، والشعر، وهي اختلافات ظاهرية على المستوى السطحي، ستصدمون حين تعلمون أن ما يحددها هو قطعة بالغة الصغر من خريطة الجينوم الكلي للبشر، إن نوعنا البشري يتشارك ب 99,9% من المورثات، والباقي يختلف بحسب البيئة المحيطة والعوامل الخارجية التي لا علاقة لها بالبنية الجزيئية الأساسية.
إن الجزيئات الصغيرة المسؤولة عن هذه الاختلافات، التي دعوناها بالمنكّهات الوراثية، هي الألّيلات، بمعنى آخر إن جميع البشر يرثون نفس الكود الجيني الذي يخص الشعر على سبيل المثال، لكن الألّيل يحدد نوع هذا الشعر ولونه، وعليه فإن حشر البشر تحت تصنيفات عرقية بحسب لون بشرتهم، بات مرفوضاً من الناحية العلمية”. (How Science and Genetics are Reshaping the Race, Harvard University, by Vivian Chou)
موسوعة نينورتا التاريخية، الجزء الثاني، اللغة الأم ص 224