من موسوعة نينورتا التاريخية – الجزء الثاني – اللغة الأم، للدكتور أحمد داوود والدكتورة نينورتا أحمد داوود.
إن النطاف التي يفرزها الذكر تحتوي نصفها على X ونصفها على Y وبحسب النطفة التي تنجح بتلقيح البويضة التي تحمل فقط X يتحدد جنس الجنين.
الملفت في الأمر هنا أن الدراسات الحديثة تؤكد بأن: “الكروموزوم X أطول من كروموزوم Y ويحتوي على معلومات جينية أكبر بمئات المرات من المعلومات الوراثية التي يحتويها كروموزوم Y، المعلومات المحمولة على كروموزوم X سائدة بمعنى أن توريثها للأجيال الجديدة هو الأقوى، هذا يعني بأن أي جين محمول على X ولو كان نادراً لدى الإناث فسوف يعبّر عن نفسه في الذكر الناتج عن التزاوج، بينما الجينات المحمولة على كروموزومY فلن يجري التعبير عنها سوى في خط الذكور وحدهم، وهي تحتوي على 26 جيناً فقط، فقط واحد منها هو الذي يكسب الإنسان الصفات التي تجعله ذكراً”. ( Chromosomes: Definition & Structure, Jessie Szalay – Live Science Contributor December 09, 2017)
إن تراثنا الشعبي في سوريا، وبشكل يدعو للعجب، قد حفظ هذه الحقائق العلمية عن طريق مقولات وسلوكيات يتوارثها الناس، فمثلاً يقولون “خذوا البنات من صدور العمّات”، هذا يعني أن الابنة غالباً ما ترث الصفات الجينية التي نقلها لها والدها عن طريق كروموزوم X الموجود في مورّثاته والذي بدوره ورثه مع أخواته البنات. ويقولون “تزوجوا الفتاة بعد معرفة أخيها لأنه يكاد الولد يشابه خاله”، هذا يعني لا تعتقدوا بأن الولد إن كان ذكراً فسيرث صفاته حتماً عن طريق الوالد، فهو سيأخذ من كروموزوم X القادم من الأم أكثر مما سيأخذ من Y القادم من الأب، وإن كروموزوم X الذي تحمله الأم يحمله أيضاً إخوتها الذكور. إن هذه الأمثال الشعبية أو الحكم المتوارثة تحمل علماً حقيقياً هو اليوم علم الجينات.
وأكثر من ذلك، إن المزارعين في سوريا ومربّي الحيوان إذا أرادوا أن تحبل الأنثى بأنثى، رسموا عليها إشارة T، فكيف عرف هؤلاء البسطاء بأن الأنثى هي T، وهم لا يرسمونها ب ت الحرف العربي في خط الجزم الذي نعرفه والذي ميّزته اللغة العربية ب “تاء التأنيث”، فمتى ما أضيف للفعل هذا يعني بأن الفاعل أنثى حتماً، بل يرسمونه على شكل صليب، وهو t بالعربية القديمة التي دعاها المستشرقون كنعانية – آرامية، وهو الحرف الذي نقله العرب وعلّموه للغرب فدعاه الغربيون باللاتيني!. إن المدهش في الأمر أن t هذه هي شكل كروموزوم x بعد تكبيره ملايين المرات باستخدام المجاهر الإلكترونية، كما أن حرفي (واو) و (ياء) الذين يميزان باللغة العربية العنصر الذكري، فنقول هو للذكر، و حين نضيف الياء للفعل هذا يعني بأن الفاعل ذكر حتماً، فهي تلعب، بينما هو يلعب، وشكله بالعربية القديمة هو شكل كروموزوم y بالتكبير الالكتروني أيضاً، ففي العربية إكس ليس حرفاً واحداً بل هو حرف مركب أضافه الغرب للأبجدية العربية في نهايتها في أحرف V W X Y Z. لكن ت هي حرف واحد لذلك ت هي رمز الأنوثة باللغة العربية. وكنا قد شرحنا في الجزء الأول من الموسوعة وجود هذا الشكل الجيني على الآثار السورية القديمة التي تعود لآلاف السنين (في الجزء الأول من موسوعة نينورتا التاريخية، قصة الخلق).
إذن، لقد تم تشكيل، تركيب، خلق، منظومة جينية تحمل جينات ما جعلت الدماغ أكبر وأكثر فعالية، أصبح دماغاً يشابه الخالق، دماغاً مفكِّراً، محاكِماً، قابلاً لتعلم أصعب المعلومات واختزانها ومعالجتها، دماغاً مبتكِراً، خلّاقاً، مبدعاً.. باختصار تم تزويد جنس آدم بكومبيوتر فائق التطور والمهارة، حاسوب عالي القدرة، وما يزال العرب يستخدمون كلمة “حساب” بدل “تفكير” فيقولون للشخص إذا أرادوا نصحه بأن يمعن التفكير بأمر “احسبها صح”.
إن هذه الجينات الجديدة جعلتها القوة الخالقة صفة سائدة وراثياً، بمعنى أنها تغلب غيرها بالتناسل، تورَّث، لذلك فإذا تزاوج جنس عاقل من جنس غير عاقل، فالنتيجة حكماً أجيال عاقلة بغالبيتها.. لهذا دُعي هذا الجنس “آدم Adam” أي السيّد، شبه الحق، شبه الأصل، بالعربية الفصحى والسريانية. ومنه جاء فعل Domination بمعنى السيادة والسيطرة باللغات الأخرى، وفي علم الوراثة فإن الصفات السائدة تُدعى Dominant أي سيّدة.
لا أحد يعرف الهابلوغروب الخاص بهذا الجيل الأول من الجنس العاقل، نقدّر زمنه بأكثر من 50 ألف سنة، أول ما ظهر في جنوب غرب جزيرة العرب باليمن، حيث المنطقة المقدَّسة تراثياً ودينياً، تحدّث هذا الجنس اللغة العربية باعتبارها لغة البيان الأولى وحاملة العلوم التي أُعطيها جنس آدم العاقل الناطق.
الخطيئة التي ارتكبها هذا الجنس بمنظورنا عدا عن اختلاطه بالبشر البدائي الذي كان متواجداً حينذاك، هو أنه أخطأ في استخدام العلوم الكبرى والعظيمة التي مُنحت له، وحاد بها عن هدفها النبيل الذي من المتوجب أن تسلكه، فكانت النتيجة اندثار هذه العلوم وحرمانه منها، ليعود ويصعد سلم التطور الحضاري تدريجياً من الصفر بعد أن كان على قمة هرم التطور. إن جنس آدم بعد أن كان سيد المخلوقات، عاد ليعيش بين المخلوقات ويحيا حياتها، حياة البدائية والغريزية، هذا هو جيل ما دعاه علماء الإنسان بالثقافة النطوفية، إننا لا نستطيع أن نصف حياة هؤلاء الذين يعود زمنهم ل 15 ألف سنة بأنهم بدائيون، ولا هم متمدنون بشكل كامل، إنهم بين المفهومين، فهم قد صنعوا الأدوات اللازمة للنجاة والحياة، وخبزوا الخبز، وصنعوا البيرة، وخزنوا الحبوب، وطبخوا اللحم، لكنهم عاشوا ضمن مغاور أو بيوت من حجر أو أكواخ، لبسوا جلود الحيوانات وصوفها وورق النبات، لا نستطيع أن نقارنهم بمدنيّة بابل وبتراء وماري وايبلا ومأرب وطيبة مصر وادي النيل.. لكننا أيضاً لا نستطيع وضعهم في نفس خانة سكان الكهوف البرابرة، أو سكان الأدغال، أو قطعان البشر التي كانت تسرح في السهوب وتعيش حياة الوحشية والاعتماد على الصيد.
يعتقد علماء التطور بأن هذا الإنسان هو مرحلة انتقالية تطورية بين الإنسان البدائي والعاقل، لكنها فرضية ما لبثت أن سقطت بفعل علوم الوراثة كما رأينا في بحوث الملف الجيني وأنماط البشر إذ بينت الدراسات الحديثة بشكل قاطع بأن الجينات المسؤولة عن ظهور العقل ليست موروثة ولا متطورة من أي جنس آخر حي قبل الإنسان العاقل، إنها ظهرت فجأة من العدم وهذا يؤكد صحة التراث العربي كله حول خلق الإنسان العاقل كمنظومة خاصة متفردة جينياً وسلوكياً ومعرفياً.