مقطع من موسوعة نينورتا التاريخية – الجزء الثاني – اللغة الأم، للدكتور أحمد داوود والدكتورة نينورتا أحمد داوود.
سنبدأ باستعراض ومناقشة النتائج التي تنبثق عنها حقائق هامة بحسب الدراسات المذكورة أعلاه:
- نستطيع القول بدايةً بأن الباحثين في العالم أخيراً بدأوا ينطلقون من المنطلق الصحيح علمياً، وهو تحديد زمن بداية الوجود البشري العاقل في العصر الجليدي الأخير، الذي هو المطير بالنسبة للحزام الحيوي الذي شرحنا عنه باستفاضة، وبالتالي فإن مكان تواجد البشر العاقل بدأ، منطقياً، فعلاً في منطقة الحزام الحيوي، وتؤكد الدراسة رقم 1 بصراحة بأن ثمة لغة أمّ انقسمت إلى لهجات، أعادها العلماء أخيراً إلى الألف السابع قبل الميلاد، وهي قبل الأكادية والسومرية بالتالي، وهي الأصل، وجدوها في السهوب القاحلة المتصحرة في جزيرة العرب والتي لم تكن، كما يؤكدون، صحراء كما نعرفها اليوم، لكنهم لم يفصحوا عن هوية هذه اللغة الأصل التي وجدوها، ونحن هنا نؤكد، منطقياً أيضاً، أنها العربية الفصحى ولا شيء غيرها، ذلك أنه كما ذكرنا مراراً فإن جذعاً واضحاً عربياً قد تفرعت عنه باقي الفروع التي دعوها زوراً بالساميات.
إن اللغة الما قبل سامية، أو طليعة السامية كما دعوها هؤلاء “العلماء”، هي العربية الأم، الفصحى، لغة البيان الأول التي ظهرت مع ظهور الإنسان العاقل كأداة رئيسية من أدوات تمدّنه وتميّزه وحاملة لعلومه التي نشرها في أنحاء المعمورة، كما سنرى في هذا المجلد وبكل وضوح.
هل سبق ظهور لغة أخرى في الحزام الحي اللغة العربية؟ لا، بل يؤكدون بأن طليعة السامية هي أول لغة ظهرت وأقدم اللغات تاريخياً على الإطلاق، إذن فمن البديهي، بالتالي، أن يكون الإنسان العاقل، الناطق، حامل هذه اللغة، قد ظهر لأول مرة في منطقة اللغة الأقدم ذاتها، فكيف يمكن أن يكون أصله من خارج جزيرة العرب ثم ينتظر آلاف السنين ريثما تظهر أول لغة في العالم في مكان آخر مختلف؟، لهذا نؤكد بناءً على هذه الدراسة بأن الإنسان العاقل الأول، جنس بني آدم كما سمّاه التراث الديني، قد ظهر في منطقة ظهور اللغة الأقدم، وهي جزيرة العرب، جنوبها وتحديداً جنوب غرب اليمن، وليس في الشرق الإفريقي. هذا السلف الأول العاقل دعاه العلماء آدم كروموزوم واي، وتحتفظ النصوص الدينية بقصة آدم وحواء وتحددهما في منطقة جزيرة العرب، قرب مكة، التي ترافقت مع طقوس الحج لدى المسلمين، ونحن لن ندخل في هذه التفاصيل لكننا نعتقد بأن الصفا والمروة وعرفات قد جرى استنساخها من اليمن كنتيجة من نتائج التصحر والكوارث المناخية التي ضربت اليمن وبقيت حينها منطقة الحجاز بمنأى عنها، وكنا شرحنا في كتابنا (تاريخ سوريا الحضاري القديم – 1، المركز) أن القرآن الكريم ذكر اسم أول موضع للبيت المبارك هو “بكّة” وليس “مكّة”، وشرحنا الفرق بينهما، يرجى العودة للكتاب للمزيد من التفاصيل.
- تؤكد الدراسة رقم 2 بأن هناك مجموعة جينية كبرى انتشرت من الشرق الأدنى باتجاه شمال إفريقيا وأوروبا هي مجموعة جينية عربية أعطوها الرمز J ، وقالوا إن هذا الانتشار حدث على مرحلتين كان آخرها فترة انتشار العرب بعد الإسلام من أجل حروب التحرير والاسترداد التي خاضوها ضد البيزنطيين وضد برابرة أوروبا من قبائل الجرمان على حد سواء كما أسلفنا، إذن يسقط هنا الادعاء التاريخوسياسي الذي ابتدعته مؤسسات الغرب والذي يزعم احتلالاً عربياً حدث لشمال إفريقيا وجنوب أوروبا بعد الإسلام، ذلك أن هذه الدراسة تؤكد انتشاراً آخر كان أقدم زمنياً بكثير من زمن ظهور الإسلام، حمل معه الثقافة الزراعية العربية السورية القديمة ونشرها في أوروبا، ونحن هنا نتحدث عن زمن 10000 سنة قبل الميلاد على الأقل.
- 3- تؤكد الدراسة رقم 3 بأن الجذع الجيني الكبير J، العربي، قد ظهر حوالي 50000 قبل الميلاد، وهذا يتزامن كما قلنا مع زمن ظهور الجنس العاقل الأول، وتبيّن تراكيزه الأعظمية أن منطلقه هو جزيرة العرب وسوريا، وهذا يؤكد أيضاً أن هذه هي منطقة الجنس العاقل الأقدم إذ لم يتوصل أحدٌ بعد إلى زمن ظهور عاقل يسبق هذا الزمن في أي مكان آخر.
- 4- أما الدراسة رقم 4 فأسقطت مزاعم بعض المؤسسات الغربية التي أرادت فصل البربر عن أصولهم العربية والتي أعطتهم الشجرة الجينية ذات الرمز E، إذ أكدت هذه الدراسة بوضوح وجود تمايز ضمن مجموعة E الجينية ما بين جنوب الصحراء الكبرى وشمالها، وقالت بأن حاملي الرمز الجيني E1b1b هم سكان شرق إفريقيا وشمالها بربراً وعرباً وهم “ليسوا أفارقة الأصول” إذ إن الإفريقيين الأصليين سكان جنوب الصحراء الكبرى لا يحملون هذا الرمز.
- 5- الدراسة رقم 5 تؤكد بأن مجموعة E1b1b التي تجمع العرب والبربر في شمال إفريقيا قد يكون أصلها شرق إفريقيا (المنطقة العربية ما بين مصر والصومال)، أو غرب آسيا (سوريا وجزيرة العرب)، وإن وجودها في مصر سبق زمنياً وجودها في القرن الإفريقي، وإن فروع هذه المجموعة كانت قد وصلت إفريقيا وأوروبا من الشرق الأدنى في فترة العصر النيوليتي – الزراعي، إذ وجدت في بقايا النطوفيين.
- 6- تؤكد الدراسة 6 على أن شمال إفريقيا والشرق الأدنى كانتا منطقة واحدة بدون اختلافات ولا حواجز جينية منذ زمن مبكر تاريخياً، بمعنى آخر هم شعب واحد منذ زمن سحيق، وإن تطابق ثلثي العينات المدروسة المأخوذة من إنسان كهف تافورالت المغاربي مع جينات النطوفيين في سوريا يغلق الباب أمام الطروحات الزائفة التي قادتها بعض المؤسسات والتي جعلت من بربر شمال إفريقيا شعباً وجينات مختلفة عن شعب الشرق الأدنى العربي المشرقي.
- الدراسة رقم 7 تؤكد أيضاً على وحدة جينية ما بين سكان المشرق وسكان المغرب العربي أو الشمال إفريقي يعود إلى ما قبل العصر النيوليتي الزراعي وباختلافه جينياً عن أفارقة جنوب الصحراء.
- 8- الدراسة رقم 8 وصفت العينات النطوفية المدروسة بأن أكثر من 60 % منها هي بصريح العبارة جينات عربية Arabian ancestry، وتربط ظهور المستعمرات الزراعية الأولى في سوريا بتدفق السلالة العربية باتجاه سوريا في نهاية العصر الجليدي الأخير، وهذا يؤكد صحة طرحنا بأن مسيرة انتشار الجنس العاقل الأول قد بدأت من اليمن باتجاه سوريا، ثم باتجاه شمال إفريقيا والبلقان وقارة أوروبا وباقي القارات بحسب تسلسل انحسار الجليد.
- 9- تؤكد الدراسة رقم 9 بأن الإنسان العاقل (العصري كما وصفوه) قد قدم إلى أوروبا من الجنوب، أي من آسيا العربية وشمال إفريقيا العربي، وليس من جهة آسيا الوسطى، وبالتالي تسقط هنا الفرضية الاستعمارية الزائفة التي ادّعت وجود شعوب “هندو – أوروبية” (آريّة) ذات حضارة قديمة ولغة في الشرق الأدنى، وسنفسّر لاحقاً حقيقة هذه المقولة من الناحية الجينية. إن الإنسان العاقل – العصري في أوروبا هو الجنس العربي وصلها كما تؤكد الدراسة من الشرق الأدنى، أي من سوريا التاريخية ومصر وجزيرة العرب، على مراحل زمنية مبكرة قبل الميلاد، حاملاً معه ثقافته الزراعية وعلومه، ونعود للتذكير بأن سوريا التاريخية ليست سوريا الحالية فقط، بل كانت تضم العراق والأناضول حتى البحر الأسود وباقي بلاد الشام، وبالتالي كان من الطبيعي كما سنرى في هذه الموسوعة أن يطلق هذا الجنس التسميات على أنحاء أوروبا باللغة العربية.
10- الدراسة رقم 10 جرت على عينات أوروبية تعود للعصر النيوليتي الزراعي في 12000 قبل الميلاد، تؤكد بأن السوريين الزراعيين قد استوطنوا الأناضول واليونان والبلقان وإيطاليا وإسبانيا وشرق ووسط أوروبا منذ زمن بعيد، وإن أصولهم تعود لمنطقة الشرق الأدنى، أي أنهم عرب، وهذا يؤكد صحة ما ذكرته العديد من المصادر والمراجع التاريخية بأن سكان إسبانيا كانوا سوريين وعرباً حتى قبل ظهور الفينيقيين الذين هم من العرب أيضاً، لكن تزوير التاريخ السياسي هو الذي قلب الصورة في الأذهان وجعل من برابرة شمال أوروبا الذين اجتاحوا أوروبا ومنها إسبانيا في القرن الخامس ميلادي، سكان إسبانيا الأصليين الذين “طردهم العرب من أراضيهم بالسيف” في القرن السابع ميلادي، وأصبحوا في كتب التاريخ هم الضحية، بينما العكس هو الصحيح.
11- الدراسة رقم 11 تشرح جينياً حقيقة ما دُعي في بعض الأوساط التي مارست تزييف التاريخ بـ”الشعوب الهندوأوروبية”، وهي في حقيقة الأمر ليست سوى تسمية تجميلية لشعوب برابرة آسيا وأوروبا من قبائل همجية متخلفة كثيراً ما كانت تقوم باجتياحات تدميرية دموية لمراكز الحضارة التي أنشأها الجنس العاقل سواء في المشرق العربي أو في أوروبا نفسها، إذ تؤكد هذه الدراسة انقسام الإنسان الأوروبي الحالي بين فئتين متمايزتين جينياً، هما J1 الشرق أوسطية (العربية)، التي ظهرت حوالي 40000 قبل الميلاد، والمجموعة R1 الوسط آسيوية التي ظهرت حوالي 20000 قبل الميلاد، وإن الجنس العربي J1 هو الذي شكل المستوطنات الأولى في قارة أوروبا قبل المجموعة R1 بكثير، وهذا التمايز شديد الوضوح بشكل أكبر بين شمال أوروبا وجنوبها، وهذا يؤكد صحة تسمية “برابرة الجنس الهندو أوروبي” التي استخدمها المؤرخ الأمريكي جيمس هنري بريستد، أو “برابرة الشمال الأوروبي” التي استخدمها باقي المؤرخين للحديث عن قبائل الجرمان المختلفة، لتمييزهم عن الشعوب الحضارية التي كانت تقطن وسط وجنوب أوروبا، والتي ثبت كما رأينا أنها عربية منذ زمن موغل في القدم والتي كانت من سلالة الجنس العاقل الأول، إذ يؤكد المؤرخون أن وسط وأقصى وشمال آسيا كانت كشمال أوروبا منطقة تسكنها قبائل همجية شديدة التخلف والبدائية، ولا ندري أهي صدفة أن تحمل الرمز الجيني R1 (آر)، ويدعوها المؤرخون بالآريّة؟
12- تؤكد هذه الدراسة وجود جدل حاد في الأوساط العلمية حول أصل السلف البشري هل هو آسيا أم إفريقيا، وباتت فرضية الأصل الإفريقي للبشر مشكوك بصحتها بناءً على دراسات تمت على المورثات الميتوكوندرية، يقولون بأنهم وجدوا سلفاً أنثوياً محصوراً في جنوب صحراء إفريقيا لم يخرج منها، لكن فروعاً له هي التي انتشرت في أنحاء الأرض، ونلاحظ في الخريطة التي وضعها هؤلاء العلماء أن قطعة من جزيرة العرب تحديداً جنوب غرب اليمن، وهي التي حددناها كمهد للجنس العاقل الأول، ألحقت بخريطة هذا السلف الأولي الذي أعطوه الرمز L، مع أن هذه المنطقة لم تكن يوماً تابعة لإفريقيا.
13- إن هذه الدراسة مثيرة للاهتمام، إذ تبيّن وجود نمط هابلوغروب فريد من نوعه لا يظهر في النوع الإنساني ما قبل التاريخ، بمعنى أدق ظهر في النوع العاقل من البشر، تواتر هذا النمط مميز في جزيرة العرب والقرن الإفريقي، كما تؤكد الدراسة على حقيقة تاريخية تقول بهجرة الجنس البشري من جزيرة العرب باتجاه شرق إفريقيا وليس العكس، يعود زمنها إلى العصر الجليدي الأخير أي قبل 50000 سنة، أما ما دعاه العلماء بالجينوم الأوراسي R الميتوكوندري فقد ثبت أنه ليس أوراسي الأصل (نسبة لمنطقة أوراسيا الجغرافية وهي الكتلة التي تقع شمال الأرض تتصل بها آسيا بأوروبا) بل أيضاً انطلق من جزيرة العرب في فترة العصر الجليدي، وتتحدث الدراسة بشكل واضح عن سلف عربي كبير للنمط الأوروبي والآسيوي والشمال إفريقي قدروا زمنه ب 60000 سنة، هذه السلالة العربية الكبرى انتشرت في الهلال الخصيب وأوراسيا وآسيا وأوروبا وإفريقيا وعنها تفرعت الأنماط الأخرى، ميزوها في الخريطة الميتوكوندرية باللون الأخضر.
14- هذه الدراسة لا تحتاج للكثير من الشرح، فقد أسقطت الكانتونات الطائفية والدينية التي صنعها مزيّفو الوعي للأديان والتي حوّلوا فيها اليهودية إلى شعب تاريخي أطلقوا عليه تسمية (عبري)، والمسيحية إلى جينات عرقية، والإسلام الذي جعلوا من تاريخ دعوته تاريخاً لظهور وانتشار العرب.
إن مثل هذه البدع التي صنعها الطفيليون على كتابة التاريخ البشري تسقط من تلقاء نفسها حين تبين الدراسات الجينية بأن سكان سوريا العرب المسلمين، على سبيل المثال، هم أحفاد لسلالات عريقة في المنطقة، تشترك بالملف الوراثي نفسه مع يهودها ومسيحييها، وهؤلاء يعود ملفهم الوراثي إلى أسلاف أقدم أيضاً، إذن ليس ثمة احتلال عربي بعد الإسلام، ولا مذابح تطهير وإبعاد عرقية وطائفية قام بها المسلمون العرب لأبناء المنطقة، بل هم شعب واحد تاريخياً اعتنق أبناؤه العقائد المتعاقبة، ينتسبون لسلالة مشتركة هي أقدم بكثير من موسى وعيسى ومحمد، وكما رأينا فليس ثمة ما يميزهم، جينياً، عن سكان جزيرة العرب وشمال إفريقيا، فالوحدة التي تجمع الأصول ليست مجرد شعارات تزين الصدور، أو خطباً رنانة، أو أيديولوجيا أحزاب، بل هي حقيقة تاريخية وعلمية لا يمكن نكرانها، فلا اليهود شعب تاريخي يمتلك قومية خاصة به، بل هي عقيدة اعتنقها البعض كلٌّ بمكانه وزمانه، فشلت جميع المؤسسات الاستعمارية في تحويلهم إلى شعب واحد، ولا العقيدة المسيحية تجعل من معتنقيها شعباً منفصلاً عن هوية منطقتهم، فليس ثمة شعب آرامي ولا قوميّة آرامية كما روّجت الأوساط الصهيونية مؤخراً، وهنا تسقط مع هذه البدعة البدع العرقية – الطائفية الأخرى، كالآشورية، والسريانية، والقبطية.. ومثلها في ذلك كل ما ابتدع حول تاريخ العرب حين حصروه بالإسلام.
15- تؤكد هذه الدراسة حدوث انتشار لنمط هابلوغروب يميز سكان جنوب آسيا التي منها الهند، منطلقه الشرق الأدنى، كذلك انتشر هذا النمط U في أوروبا بشكل واسع في زمن حديث نسبياً عن زمن انتشاره في آسيا، هذا الانتشار بدأ منذ حوالي 12000 سنة، وبناءً على ذلك، تتساءل هذه الدراسة عن مصداقية مصطلح “اللغات الهندو- أوروبية” إذ إن هذه اللغات ظهرت في العصر البرونزي الذي ظهر في أوروبا حوالي 2000 قبل الميلاد بعد ألف سنة من ظهوره في المشرق العربي (الشرق الأدنى كما تدعوه الأوساط الثقافية في الخارج)، وهذا يعني سقوط هذا المصطلح بدوره علمياً وتاريخياً.
16- كثيراً ما تطالعنا الاستمارات الدولية بخانة نعتبرها، حضارياً وإنسانياً، مثيرة للاشمئزاز، هي خانة “العِرْق” Race، ونجدهم في الغرب يحددونها كما يلي: آسيوي = هذا يعني شعوب ما ندعوه بالعرق الأصفر، وإفريقي = هذا يعني زنجي، وقوقازي = هذا يعني الرجل الأبيض، وفي بعض الحالات أضافوا خانة تميز بلاد المتوسط تحت خانة متوسطي.
إن هذه التقسيمات للبشر المعتمدة على السحنة واللون هي تقسيمات بمنظور العلم خاطئة تماماً، إذ تؤكد الدراسات الجينية الحديثة بأن هذه الأعراق هي أعراق مفترضة وليست حقيقية، فلا وجود جينياً للعرق الأسود، ولا الأصفر، ولا الأبيض… فالعربي، على سبيل المثال، يمكن أن يكون بسحنة شقراء وعيون زرقاء، كما يمكن أن يكون ببشرة داكنة وشعر أسود، أو أبيض البشرة… إلخ.. إن هذه السحنة، الملامح الخارجية، الظاهرية، تحددها جملة عوامل تأتي في مقدمتها العامل الجغرافي، البيئة المحيطة، المناخ، الذي قام بتطوير الملامح لتتناسب مع البيئة، وهذا يدعى بالتكيف الطبيعي، لكنه بالطبع ليس طارئاً ولا يحدث بين ليلة وضحاها، وإن ما يورث هذا التأقلم هو قطعة صغيرة جداً من سطح الجين يدعى الألّيل، وهنا من الملفت كيف حافظت اللغة العربية على التكيف مع طبيعة المنطقة في كلمة “تأقلم” إذ إن الإقليم والقلمة تعني بالعربية: منطقة جغرافية تتصف بمناخ وبيئة خاصة، ومنها جاءت Climat بمعنى مناخ، والتأقلم، بالتالي، هو تكيف الإنسان مع الاقليم الذي يسكنه. لذلك فالسوري، على سبيل المثال، حين نسأله عن ظروفه الجديدة في بلاد جديدة، يقول “تأقلمت” مع الجو أو المجتمع، ولا يقول “تكيفت”، وهو تعبير علمياً ولغوياً صحيح جداً، فالإنسان يتكيف مع الظروف ضمن بيئته، لكنه يتأقلم مع البيئة المختلفة.