#موسوعة_نينورتا_التاريخية – الجزء الثاني #اللغة_الأم ، ل أحمد داوود و نينورتا أحمد داوود
إذن أمان أو أمون Amun تعني الحافظ الجبّار، من الجبابرة الأشراف، الأمين تامّ الخلق، القوي الصادق الخالد الذكر، وهو من الأعيان، ومفردها العين، وعن “العين” بالعربية نقرأ في لسان العرب:
العين: الذات. وعين كل شيء أجوده.
عين القوم: وجيه القوم، وهو أفضلهم ونخبتهم وخيارهم، وجمعه أعيان. فالأعيان وجهاء الناس وخيارهم وأحسن من فيهم. كما أن العين: الذهب.
العين أيضاً تعني قرص الشمس بالعربية، ويقول السوريون حتى اليوم عن غروب الشمس “عتّمت العين، غابت العين”.
هنا تدخّل فن الجناس العربي بتصوير المعنى المراد باستخدام الصورة والرمز (الهيروجليفية)، فاستخدموا قرص الشمس للدلالة على هؤلاء الأعيان – الجبابرة – الأشراف، في نقوش عرب وادي النيل القدماء، فاعتقد الباحثون بأن آمون رع هو “رب الشمس”، لكنه ببساطة رمز تصويري لابن الجبابرة الأشراف، الأعيان.
كلمة أخرى جرى فهمها خطأ على أنها تعني رب الشمس، هي رع.
“رع” Ra، يقول عنه الدارسون الغربيون:
“رع هو إله الشمس عند المصريين القدماء وهو حاكم المخلوقات باعتبار أن الشمس هي واهبة الحياة، رمزه قرص الشمس. وكان المصريون يدعون أنفسهم قطيع رع، ماشية رع.
أحياناً يُصوَّر برأس صقر (مشاركاً هذا الرمز مع الإله حورس رب السماء) على رأسه قرص الشمس تلتف أفعى الكوبرا حوله. ودعي هذا الدمج رع حوراختي.
أيضاً كان يُصوَّر على شكل خنفسة سوداء (جعران) أمامها قرص الشمس ويدعى رع خبري Ra khepri.
ارتبط رع أيضاً بأتوم Atum، وهو رب الخلق بانياد Ennead (وهي مجموعة من تسعة أرباب بالديانة المصرية القديمة)، وكلٌ من أتوم و رع اعتبرا أبو الآلهة والفراعنة. وهنا يكون اسمه أتوم رع”.
إذن من هو رع؟
رع: هي راعي بدون الصوتيات، والراعي بالعربية: الوالي (ابن منظور، لسان العرب)، والرعيّة: هي العامة من الناس، كما أن الرعية هي القطيع، الماشية، الجماعة، الرعايا.. فالمصريون لم يدعوا أنفسهم “قطيع رع” بل “رعيّة رع” فتُرجمت خطأ إلى ماشية رع!. والرعيّة بالعربية كل من هو بحفظ الراعي، الوالي. وفي الحديث: }كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته{. والراعي من الرعاية وتعني الحفظ والرقابة، وكل من ولي أمر قوم فهو راعيهم وهم رعيته. كما أن رعى بالعربية تعني: راقب ولاحظ وتأمل وحفظ.
بالسريانية: رعا: رعى، قاد، رقب، راعى، تبصر، دبّر، ساس.
رعيو: راع، مدبّر، قائد.
رعيوتا: رعاية الغنم، تدبير، سياسة.
بقيت هذه المصطلحات مستخدمة لدى العرب منذ آلاف السنين، ونجد اليوم امتداداً لها لدى المسيحيين منهم بشكل خاص، إذ نقرأ في التعاليم المسيحية حول “المجلس الرعَوي” ما يلي:
“المجلس الرعائي هو جهاز كنَسي مؤلّف من أبناء الرعيّة لخدمة الرعيّة. المجلس الرعائي يؤازر الكاهن في رسالته لإنعاش الحياة الرعويّة وتعزيزها بكلّ أشكالها، وهو للقيام برسالتهم المسيحيّة وسط الرعيّة التي إليها ينتمون. مهامه تتمثل بمعاونة الكاهن في معرفة الرعيّة معرفة كاملة ومساعدة جميع أبنائها للقيام برسالتهم.
يشترط في العضو المنتسب أن يكون حسن الأخلاق والسيرة، مشهود له بصفات إنسانية حميدة، كما يشترط فيه أن يعمل مع زملائه بروح التعاون والاتّحاد والمحبّة، ومع كاهن الرعيّة وراعي الأبرشيّة بروح الاحترام والطاعة، محققاً وحدة المشاركة بين الرعيّة والأبرشيّة والكنيسة”.
لاحظوا كيف استمر استخدام كلمتي “راعي” و “رعيّة” بالمصطلحات المسيحية، فهل بعدها نشعر بالغربة تجاه هذا التراث الذي عمره آلاف السنين بالقِدم والذي تضمّن الجذر “رع” بنصوصه؟ وهل نحن العرب بحاجة إلى من يترجم لنا هذه النصوص فينقلها من راعي ورعيّة إلى إله للشمس وقطيع ماشية واعتقادات لا أصل لها ولا دليل سوى أنهم رأوا قرص الشمس يزيّن قاعات هؤلاء الرّعاة، الحُكام، الولاة؟
إن هذا ينقلنا إلى رتبة “الشمّاس” أو الدياكون بالديانة المسيحية، والشمّاس هو خادم الكنيسة وهو من يقوم بمعاونة الكاهن في أداء الصلوات، وكانت الخدمة الاجتماعية هي أولى مسؤولياتهم للحد من انشغال الرسل الأوائل بالخدمة الدنيوية. وهي من شمش بالسريانية بالإبدال القديم بين السين والشين وتعني: خدم، شمّس، خدم الله، عبد الشمس، مهن، عمل، فعل، صنع، قضى، أكمل، أتم، صلى رتّل، تلا صلاة، نشر شيئاً في الشمس.
اشميش: أشمس، أشرق، سطع، أنار.
شمّاشا: شمّاس، خادم، عابد.
تشمشيتا: المعبود، المخدوم، السيد.
بالعربية الفصحى: الشمس: الوضوح، والشمس عين الضحّ، والشامس: الواضح.
يوم مشمس: يوم فيه شمس وصحو لا غيم فيه، يوم مشرق.
إذن الشمّاس هو خادم التعاليم السماوية، الذي ينشر التعاليم بوضوح (يرتلها ترتيلاً)، ويؤدي الصلاة.
وبالمناسبة فإن كلمة “أضحى” بالعربية تعني التشريق والإشراق وجذرها ضُحى وضُح، وليس الأضحية والذبيحة كما فُهمت. وعيد الأضحى الذي يحتفل فيه المسلمون هو عيد قديم من تراث ديني عمره آلاف السنين يتحدث عن إشراق الأرض بنور ربِّها، وهذا واضح في سورة الزمر: }وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ{(69).
نقرأ في لسان العرب:
أضحينا: صرنا في الضُحى، بينما ضحّينا: ذبحنا الشاة.
الضحية والأضحاة والأضحية: ما ضحّيت به من حيوان، ما ذبحته لتأكل، والجمع أضاحي.
الضاحي: البارز الظاهر للشمس، وليلة ضحياء: ليلة مقمرة لا غيم فيها ولا عكر، ويوم إضحيان: مضيء لا غيم فيه ولا دخن.
الضحا والضحو والضحوة والضحية: ارتفاع النهار.
الضحى: حين تطلع الشمس فيصفو ضوؤها، والضُحى حين تشرق الشمس، والأضحى: الأبيض المشرق المنير.
إن الإشراق بالنور بالطبع لا يتحدث عن قرص الشمس الذي يشرق ويغرب، لكن العرب القدماء تحدثوا عن إشراقة الأرض بالنور الأول ورمزوا له بقرص الشمس، وخادم النور أو العابد أو العامل أو الناشر لهذا النور هو “المضحّي”، هو “الشمّاس”. وإن الصلوات اليومية الخمس في طقوس الديانة الإسلامية والتي تتبع حركة الشروق والغروب وما يرافقها من الوضوء هي نفسها صلاة المندائيين العرب، الصابئة، التي هي ديانة آدم الرسول، وبالتأكيد لم يكونوا عبدة كواكب ولا عبدة أوثان، بل كانوا مؤمنين موحدين وكتابهم “كنزا ربا” هو الكتاب الذي أنزل على آدم الرسول. فالتوجه بالصلوات الخمس بحسب حركة النهار والليل، المرتبطة بشروق وغروب الشمس (فجر، ظهر، عصر، مغرب، عشاء) ليست عبادة للشمس بكل تأكيد، بل هي تواصل مع النور الكوني واتصال مع الطاقة الكونية. وغالباً ما نجد “هالة النور المقدس” حول رأس عيسى المسيح والقديسين في الأيقونات المسيحية. إننا قد نعتقد أنها تقليد مسيحي لكنها في الواقع أقدم من المسيحية بكثير، إنها تقليد عربي قديم انتقل معهم إلى اليونان (انظر كتابنا تاريخ سوريا الحضاري القديم – 2 الانتشار الحضاري في اليونان).
لنقرأ مثلاً هذا المقطع من أسطورة أبوللو وفيتون: “وتناول أبوللو وجه ولده فنضحه بطيوب إلهية، وضمخه بدهن كريم، ثم قطر في عينيه قطرات من ماء اولمب، كي يقوى الفتى على تحمل الحرارة الفائقة، والصبر لضوء الشمس القوي، ثم وضع على رأسه الصغير هالة النور الربّانية”. (دريني خشبة، أساطير الحب والجمال عند اليونان، المجلد الأول، ص 167).
إذن هالة النور المقدس، أو الربّانية، هي تقليد عربي قديم يميز الأرباب (وليسوا آلهة كما تُرجمت خطأ)، الأسياد، القدامى العظام، والأبطال المخلدين، والعلماء الربّانيين، وسنفصّل في هذه الأسطورة من ناحية علمية لاحقاً.
باللغة العربية الهالة: هي دارة القمر، والضوء المحيط بالأجرام السماوية، وغالباً يستخدمونها كناية عن المجد إذ يقولون أحاطت به هالة المجد، وإذا كان صالحاً يقولون تحيط به هالة النور، أو وجهه مشرق، وهو لقب فاطمة بنت النبي محمد إذ لُقبت بالزهراء أي المشرقة الوجه، المضيئة، الصافية. هذا لأنها من حملت النسب الشريف، الصافي، ونقلته إلى نسلها.
وهالة: اسم الشمس بالعربية، والهالة جناس لغوي مع الجذر هل وهيلل وهوَل، ومنه التهليل، والتهليل هو قول لا إله إلا الله (ابن منظور، لسان العرب)، أي أنه التوحيد باختصار. إذن الهالة هي الشمس، والتهليل هو التوحيد، ونحن هنا أمام حالة من حالات الجناس اللغوي، فهالة الشمس لدى العرب هي رمز التوحيد وليست شيئاً يُعبد.
أما أبوللو Appollo، الذي يقولون أنه إله الشمس لدى “الإغريق”، فليس سوى التسمية العربية “أبيل”، والأبيل: الراهب والشيخ والأمير، وليس الإله، وصار الأبيل لقباً لرئيس النصارى، أو الراهب الرئيس، وكان لقب عيسى المسيح “أبيل الأبيلين” أي شيخ الشيوخ أو أمير الأمراء أو رئيس رؤوساء الرهبان (ابن منظور، لسان العرب)، وقد أنشد العرب في وصف المسيح:
أمـــــــــا ودمــــــاءٍ مائـــــراتٍ تخالُهــــــا على قُنّةِ العُزّى أو النّسر، عَندمَا
وما قدَّسَ الرُهبانُ في كل هيكلٍ أبيلَ الأبيلين المسيحَ ابنَ مريمــا
ذكرنا أن الشمس بالعربية من أسمائها العين، والعين بالعربية الذات أيضاً. الشيء عينه هو الشيء ذاته، نفسه. ومن الملاحظ ورود كلمة (عين) بالقرآن الكريم للدلالة على ذات الخالق وحفظه. منها في سورة الطُور: }وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ{ (48). كذلك في سورة طه: }وألقيتُ عليك محبةً مني ولتُصنع على عيني{(29). وما يزال العرب بدعوتهم لأحبتهم يقولون “عين الله ترعاك”. لاحظوا الارتباط بين العين والرعاية الإلهية، مع أن العرب بالتأكيد لا يجعلون لله عيناً بالمفهوم الجسدي المادي على الإطلاق، لكنها الاستعارة المعروفة لديهم منذ القِدم للتعبير عن قدرته على رؤية كل شيء، وتدبيره. من هنا التبس الأمر على الباحثين الأجانب كالعادة في تعاملهم مع نقوش العرب القدماء، فاعتقدوا أن وجود قرص الشمس يعني أن أصحاب الحضارة القديمة المذهلة قد عبدوا الشمس، وهذا أمر مثير للسخرية حقاً، أنهم كلما رأوا صورة، أو نحتاً، لشيء أو لحيوان ما، جعلوه معبوداً. أما صورة العين في النقوش القديمة فتمخّض عقلهم العاشق للخرافات عن تفسير مضحك آخر لها هو أنها دليل على عراقة تنظيم ماسوني عالمي اتخذ العين رمزاً له.
نحن نؤكد أن سكان وادي النيل لم يعبدوا الشمس يوماً، ولا عبدها سكان سوريا ولا العراق (منطقة الرافدين) ولا اليمن ولا ليبيا ولا شمال إفريقيا، بل كان قرص الشمس (العين) رمزاً للراعي الحافظ الوالي (رع)، كذلك رمزوا للذات الإلهية الكلية، البصيرة، راعية الكون، بالعين. كما جعلوا قرص الشمس (العين بالعربية) رمزاً للأعيان، الجبابرة، الأشراف، باستخدام الجناس. ولا تزال بعض الدول العربية تسمّي مجالسها التشريعية ب “مجلس الأعيان”: “ويتضمن رؤوساء الوزارات والوزراء الحاليين والسابقين، ومن أشغل سابقاً مناصب السفراء والوزراء المفوضين ورؤوساء مجلس النواب ورؤوساء وقضاة محكمة التمييز ومحاكم الاستئناف النظامية والشرعية والضباط المتقاعدين من رتبة أمير لواء فصاعداً، والنواب السابقين الذين انتخبوا للنيابة لا أقل من مرتين، ومن ماثل هؤلاء الشخصيات الحائزين على ثقة الشعب اعتماداً بأعمالهم وخدماتهم للأمة والوطن”.
إن مجلس الأعيان اتخذ لدى العرب القدماء أيضاً تسمية “مجلس الشيوخ”، وهو التقليد العربي القديم في طريقة إدارة البلاد الذي انتقل مع العرب السوريين إلى روما (مجلس الشيوخ الروماني) ثم إلى الغرب والعالم كله (مجلس الشيوخ الأميركي)، وبقي العالم إلى اليوم يستند إلى هذا التقسيم العربي في حكم البلاد وسن القوانين.