مقطع من كتاب موسوعة نينورتا التاريخية = الجزء الثاني اللغة الأم عام 2021 .للدكتور أحمد داوود.
على مستوى الجنس البشري نحن في زمن الطوفان الكبير الذي يميز العصر الدفيء أمام ثلاثة أصناف من البشر: الأول هو الجنس العاقل والذي يمثله نوح، الثاني هو الجنس البدائي الذي كان ما يزال يجول في سهوب الأراضي في كل مكان ويعيش في الكهوف، هلك منهم من أصابه الطوفان والكوارث البيئية وبقي من الشعوب البدائية من لم تضربه تلك الأحداث وهذا الجنس الذي بقي في أوروبا وآسيا وأفريقيا حتى القرن الحادي عشر ميلادي، أما الثالث، فهو الجنس الذي جاء نتيجة اختلاط الجنس العاقل بالجنس البدائي والذي أدى إلى انحداره معرفياً، هو الجنس الخليط، الذي عبّر عنه التراث الديني بكلمة “بني إسرائيل”، فمن هو “إسرائيل”؟
ادّعى كهنة التوراة ومن تبعهم من المفسرين بأن يعقوب هو إسرائيل، وهذا كلام خاطيء تماماً ونعتبره من جملة مواضع التزوير الذي ضرب تاريخ العرب والبشرية كلها، إن يعقوب ليس بحال من الأحوال إسرائيل، وإن اسم يعقوب لا يعني “الذي وُلد ممسكاً بعقب أخيه” كما تقول التوراة، وهذا دليل على أن الذي نقل التراث العربي لم يكن من العرب ولا يتقن لغتهم، لأن نظرة واحدة على معاني “يعقوب” في قواميس اللغة العربية تكفي لنعرف أن يعقوب هو تصغير عُقاب، واليعقوب: الذكَر من الحجَل والقَطا، والكرَوان، وقيل الخيل أيضاً (لسان العرب).
فأين نجد “إسرائيل” الحقيقي؟ نجده في القرآن الكريم بكل وضوح، لنقرأ سورة الإسراء ونتعرّف على إسرائيل:
}سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّاً كَبِيرًا (4){. لنتمعّن بالآيات جيداً وسنصل إلى الحقيقة:
يقول الخطاب الديني هنا وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل، فاعتقد المفسِّرون خطأً وجهلاً متأثرين بالرواية التوراتية المزيفة بأن بني إسرائيل هم بنو يعقوب!، لكن القرآن أكمل الشرح والتوضيح ووصف بني إسرائيل بأنهم “ذريّة من حملنا مع نوح إنه كان عبدأ شكوراً”، لقد شرح النص القرآني بكل وضوح من هو إسرائيل وما هو زمنه الحقيقي، إنه كان عبداً شكوراً، لكنه لم يكن من الأنبياء، وهو كان في زمن نوح، وكان ممّن نجا من الطوفان مع نوح والأمم الباقية، أي الشعوب الناجية }قِيلَ يَنوحُ ٱهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَتٍ عَلَيكَ وَعَلىٰ أُمَمٍ مِمَّن مَّعَك{ (هود:48)، إذن القرآن واضح هناك مع نوح وأسرته أممٌ أخرى نجت معه وليست من سلالته، إذن فادّعاء أن البشرية انقرضت بزمن الطوفان وبقي فقط نوح وأولاده هو ادّعاء باطل تماماً ولا أساس له.
إذن من هم بنو إسرائيل؟ إنهم ذرية إسرائيل الذي تم إنقاذه من الطوفان الكارثي، فماذا يعني هذا الخطاب؟:
يعني أن نوحاً هو من الجنس العاقل المبدع، ذلك أن فعل الابتكار أُسند له هو، والابتكار هنا الذي بدأت تحتاجه البشرية هو صناعة السفينة، فكان أن أُعطي نوح علم بناء السفن وقوانينها وهي مرحلة فاصلة بتاريخ البشرية. كثيرٌ من التفاسير اجتهدت في معرفة معنى سفينة نوح ومكانها، لكننا بكل وضوح أمام علم قائم بذاته مُنح للبشر منحاً من قبل القوى الإلهية هو علم بناء السفن، لماذا؟ لأنه وبعد تشكل التصدّعات والبحار الجديدة والأنهار الكبيرة وارتفاع منسوب البحار فقد انفصلت اليابسة عن بعضها ولم يعد بالإمكان التنقل إلا بوسيلة نقل واحدة، هي السفينة ببساطة.
أما إسرائيل فهو كان عبداً شكوراً لكنه ليس من ذرية نوح، هو مؤمن فقط، لكنه ونتيجة انحدار خريطته الوراثية بسبب الاختلاط الجيني فقد كان إنساناً عادياً، صعد على متن السفينة بمعنى أن الجنس الخليط لم ينقرض حينها بل بقي وأكمل مسيرة البشرية.
إذن فإسرائيل ببساطة هو ابن الجنس الخليط الذي كان موجوداً زمن نوح وبقي مستمراً، وليس يعقوب، والقرآن ذكَرَ يعقوب بالاسم ولم يسمِّه ولا بآية واحدة باسم إسرائيل، ولا دعا بنيه ببني إسرائيل على الإطلاق. وعليه فهناك كذبة أخرى بُنيت على الأولى، هي أن الأسباط المذكورين بالقرآن هم بنو يعقوب، ونحن لا نعرف أي خلل في التفكير جعل المفسِّرين يقتنعون بأن النص القرآني قد أمر بالايمان ببني يعقوب من جملة الرسل والأنبياء، مع أن إخوة يوسف، الذين يقولون لنا بأنهم من المفترض أنهم الأسباط، كانوا في انحطاط أخلاقي فادح جعلهم يتآمرون على النبي يوسف ويكيدون له، فما الذي يجعلنا نؤمن بإخوة لا أخلاق لهم ولا رادع بحسب القرآن نفسه؟ وكيف استقام هذا الأمر مع المفسرين ولم يجدوا فيه تناقضاً؟، إنها آفة النقل دون العقل هي التي أوصلت التفاسير إلى هذا الدرَك من التناقضات وتسطيح العقول.
إذن بنو إسرائيل ليسوا من ذريّة نوح، لكن يعقوب من ذريّة نوح. أما بنو إسرائيل فهم ذرية من حُمل مع نوح ومن حُمل مع نوح هو إسرائيل إذن هو سلالة منفصلة عن نوح تماماً، وليسوا من السلالة الشريفة كما جعلوا أنفسهم فيما بعد حين ادّعوا بأن يعقوب هو نفسه إسرائيل، ولقد دعا القرآن من بُعث من بني إسرائيل بالنقباء وليس الأسباط (سورة المائدة، آية 12) وفي هذا وضوح شديد لا يحتاج لتأويل. ومن الواضح بأن الخطاب الديني سواء بالقرآن أو بالانجيل قد أكد على أن الهداية تأتي دوماً بهدف هداية الضالّين من بني إسرائيل، ولا نعتقد بذلك بأن الرسل والأنبياء قد جاؤوا بهدف هداية عائلة، أو سلالة معينة لشخص، بل هم رمز للجنس الذي حاد عن حبل النسل العاقل الصافي وفكره، وماد بعقائده وسلوكياته، وضل عن حقيقة الخلق الأول ورسالته، فجاءت الرسالات والتعاليم لإعادة جنس “بني إسرائيل” بأكمله إلى الطريق الإنساني القويم. وفي هذه الآيات أبلغ دليل:
إن سورة البقرة وحدها قد اشتملت على ثلاث آيات تذكّر بني إسرائيل بـ “نعمة الله” التي أنعمها عليهم وبأنه فضلهم على العالمين، لكن بماذا فضلهم؟ بأنه أعطاهم فرصة الهداية ونجاهم من العذاب الكبير، أي أنه لم يعاملهم معاملة من لا يرتجى منه خير، بل ذكّرهم بكل الشرور وأعطاهم الفرص للابتعاد عنها، هذا هو الفضل الذي أعطي لجنس بني إسرائيل. أما باقي الآيات التي تذكر بني إسرائيل فكلها دون استثناء تصفهم بالضلال، والعدوان، والظلم، وتحريف كلام الله، ونصرة الباطل، والفساد في الأرض… فهل هناك عاقل يمكن أن يصدق بأن كل هذه الأفعال واللعنات والنفوس العديمة الأخلاق التي قتلت الرسل والأنبياء وعبثت بالنصوص واعتدت على الآمنين.. تقتصر على عائلة وأفرادها؟، هل يمكن أن نصدق بأن الخطاب الانجيلي الذي وصفهم ب”خراف بني إسرائيل الضالّة” يخاطب عائلة واحدة من دون باقي البشر؟.. بالطبع هذا لا يعقل، إذن، إننا نقول بوضوح بأن “بني إسرائيل” هم جنس كامل من البشر الذي اختلط جينياً ما بين العاقل السامي والبدائي المتخلف الغرائزي، فضلّ عن الفكر الصحيح وابتعد عن إدراك مكارم الأخلاق، وانحرف عن العقيدة الإنسانية الأخلاقية التي جُبل عليها بنو آدم، فاستحقوا الهداية تلو الهداية ومحاولات التقويم والتصحيح، والتنبيه والتذكير، ومن الطبيعي بأن هذه التعاليم ومحاولاتها التصحيحية للمسيرة الإنسانية قد أتت لجموع البشر من كل صنف وأصل، باختلاف مكانهم وزمانهم، وليس فقط لأبناء أو سلالة شخص واحد.. تتميز لغة القرآن بالتمييز بين كلمتي “بني” و”آل”، إذ نلاحظ أن الخطاب القرآني ذكر السلالات بكلمة “آل” ك آل ابراهيم، وآل عمران، وآل فرعون… ، بينما كلمة “بني” جاءت مرافقة لاسم إسرائيل تحديداً، فإذا كان إسرائيل هو يعقوب أو أي شخص آخر كما جرى بالتزوير الشائع، فالمنطقي أن يصف القرآن نسلَه بكلمة “آل إسرائيل”، لكن هذا لم يحدث أليس كذلك؟، وهذا دليل آخر واضح على أن كلمة “بني” تصف جنساً بشرياً كاملاً تماماً ك”بني آدم” وليست سلالة ولا نسلاً لا لشخص ولا لعشيرة بعينها.
بهذا يكون إسرائيل رمزاً للجنس العاقل – الخليط، وهو بالتالي ليس من السلالة الصافية سلالة الأنبياء، وأما تحويل إسرائيل لشخص وإسقاطه على يعقوب فهذا دس خاطيء وباطل وزائف قام به بعض الكهنة حين كتبوا التوراة السبعونية، ولحقهم بهذا الخطأ كل المفسرين، جعلوا من بني إسرائيل سلالة شريفة من ذرية الرسل والأنبياء ليستحقوا الحكم والسلطة، وقاموا بذلك بعملية تضليل واسعة عبرت حدود المكان والزمان وانطلت على العقول في كل جيل، فأصبح بجرّة قلم حتى موسى وعيسى من بني إسرائيل، وهذا غير صحيح.
هناك من يستند على آية قرآنية ويقول بأنها تدل على أن بني إسرائيل هم سلالة يعقوب من الأنبياء وهي الآية 16 من سورة الجاثية }وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{، علمأ أننا لو أكملنا قراءة ما بعدها لفهمنا فوراً أنها لا تتحدث عن سلالة رسل وأنبياء بل تتحدث عن جنس كامل من البشر وسيعيش هذا الجنس حتى تنتهي الحياة على الأرض وسيجري الفصل والحكم على من ضلّ منه وعلى من كان مؤمناً صالحاً. وإن هذا الجنس قد مُنح التعاليم (الكتاب) والسلطة (الحكم) والهداية (النبوة) بمعنى أنه مُنح فرَصاً للنجاة ولتصحيح المسيرة، ولا تعني على الإطلاق بأن النبوّة والحكم هما احتكار قد مُنح، إلهياً، لعائلة سيجري الحكم بين أفرادها يوم القيامة!، لنقرأ بقية الآيات: }وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُون (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِين (19){. إذن من الواضح بأن الخالق لن يفصل بين “أبناء عائلة إسرائيل” يوم القيامة، بل سيجري الفصل والحكم على أبناء جنس بشري كامل بين الصالح منهم وغير الصالح، وهذا هو مفهوم الدينونة بشكل عام في كل الديانات، فهل سمعتم بديانة تقوم بالفصل في يوم القيامة بين أبناء عائلة؟ أو عشيرة؟ أو شعب محدد؟ وتترك باقي البشر وتتجاهلهم؟، بالطبع لا، بل إن الديانات تتحدث عن البشر جميعهم بمختلف أجناسهم وأطيافهم. إن تأكيد القرآن على أن “بني إسرائيل” سيبقون إلى يوم القيامة، إلى يوم الحساب الكبير، هو أبلغ دليل على أنه يخاطب جنساً بشرياً كاملاً، تخيلوا أن القرآن يطالب عشيرة فقط من بين جميع الأمم بمكارم الأخلاق وبالتوحيد، وبأنه سيحاسب هذه العائلة أو القبيلة من بين جميع الشعوب في يوم الدينونة! هل هذا يُعقل؟، وهل حدث وأن بقيت عائلة ونسلها أو عشيرة كما هي لم تتغير ولا اختلطت ولا انقرضت ولا تفرقت طوال آلاف السنين حتى يأتي الرب بهم للحساب في اليوم الآخر؟ وهل يتجنّد الخطاب الإلهي وجميع التعاليم والرسل والأنبياء لمجرد هداية هذه العائلة أو القبيلة أو تلك؟!
وهذه آية أخرى شديدة الوضوح على أن جنس بني إسرائيل هم من ذرية آدم بالطبع، لأنهم من أبناء الجنس العاقل ولو أنه صار مختلطاً، لكنهم ليسوا من ذرية نوح ولا ابراهيم، هي الآية 58 من سورة مريم: }أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّا{. من الواضح هنا أن الخطاب القرآني قد ميّز وفصل بين ذرية ابراهيم، وذرية إسرائيل، ولو كانت ذرية إسرائيل هي نفسها ذرية ابراهيم لأصبحت الآية دون تفسير منطقي.
إذن، يعقوب ليس إسرائيل، وبنو إسرائيل هم الجنس البشري الحالي الخليط كله، وليسوا عائلة واحدة ولا سلالة بعينها، وهذا الجنس كله تحت الاختبار وليس نسلاً بعينه، ولا علاقة له باليهود ولا بشعب ولا بديانة ولا بداوود، ولا بجغرافيا بعينها، ولا بعشيرة بعينها..
وفوق هذا فكثير من الآيات تذكر بأن الخالق قد أخذ من “بني إسرائيل” عهداً أو ميثاقاً بالالتزام بوحدانية الخالق ومكارم الأخلاق، فهل هذا يعني أنه أخذ عهداً من عائلة بمفردها كما جرت التفاسير؟ أو من قوم بمفردهم؟، بالطبع لا، بل هو عهد على البشرية بأسرها، قد فُرض عليها الالتزام بحسن الأخلاق، وعدم الشرك بالله.
أما عن معنى اسم “إسرائيل Israel” فهل يعكس المعنى المضمون الذي ذكرناه؟، لنقرأ:
من الشائع بالسريانية استبدال السين بالشين والعكس بينها وبين العربية الفصحى، فسَمْعان هو شمْعون بالسريانية ومنه اسم سيمون Simone المنتشر عالمياً، فإذا كان إسرائيل بالسريانية إشراي ايل نجد:
ايل: الله جل وعلا.
شرا شريا: حلّ، نزل، انحل + انفك، بطُل، زال + طرأ، هدم، نقض، أبطل، ترك، خلع + فسَّر، دحض، خالف، تعدى الشريعة + نبذ، أسقط، طرد، أبعد..
بهذا يكون جنس الإسرائيل هو من ينقض التعاليم، يخالف الله، يبطل الرسالة، مطرود، ساقط، هادم البناء الأول، يحلل ما حرم الله .. الخ.. وإسرائيل كرمز لهذا الجنس كما ذكرنا وكان مع نوح في السفينة ونجا من الطوفان الكبير قد وصفه القرآن بتعبير “عبد شكور”، لكن جميع الآيات التي تصف “بني إسرائيل” كرمز لهذا الجنس البشري الذي نجا من الموت ومنح فرصاً إلى يوم القيامة مملوءة بخطاب الوعيد وبضرورة الالتزام بالتعاليم ومكارم الأخلاق، وإن من بني إسرائيل من اهتدى ومنهم من لم يهتدي، إذن اسم اشرائيل فعلاً يختصر هذه المعاني بالسريانية.
بالعربية الفصحى، نقرأ في لسان العرب: الإلّ: الحلف والعهد، وفي القرآن }لا يرقبون في مؤمن إلّاً ولا ذمّة{.
والإلّ: القرابة القريبة كالأشقاء والأبناء.
الإلّ: العهد والذمّة.
والإلّ: الله عز وجل، والأصل الجيد، والنسب.
أما الجذر س ر ا ، فمن معانيه نزع، كشف.
بهذا يكون معنى إسرائيل ليس “شعب الله المختار” كما فُسّرت الكلمة خطأً، فالله ليس عنصرياً يرفع شعوباً على أخرى. بالإضافة إلى أنه أيضاً كاشف الأصل ومنتزعه أي أنه فسُد عن الأصل الجيد وحاد عنه. لهذا يقول العرب “في الإل كريم الخِلّ” أو بمعنى آخر “عالأصل دوّر”، ودائماً ما يصفون كريم الأخلاق ذا القيم والمثل العليا بأنه “ابن أصل”، بهذا يختصر العرب في ذاكرتهم اللغوية الموروثة آلافاً من السنين تختصر سيرة بني آدم فيمن حافظ على أصله العاقل السامي الراقي وبالتالي ورث محمود الصفات، وفيمن حاد وانحدر عن الأصل العاقل السامي، ففسد باطنه وساءت أخلاقه.
والملفت هنا أن العرب ما يزالون يحتفظون بهذا المعنى بكلمة واحدة تصف كريم الأخلاق والسيرة بوصفه بال”آدمي”، أي أنه من منبت جيد، من أصل آدم، الجنس العاقل السامي المتميز الفاضل.
وإنهم إن أرادوا وصف شيء فاسد يقولون عنه “منزوع”، وإن فسد الطعام يقولون له “انتزع”، إن هذه اللغة المذهلة حتى بعاميتها، تختصر علوماً حقيقية ومعارف وحقائق تعجز عن الاتيان بها أية لغة أخرى، إن كلمة “انتزع” بمعنى فاسد تصف عمليات متناهية الدقة في الأكسدة وفصل المكوّنات وانتزاعها من مسارها، تماماً كما “انتزع” الجنس العاقل حين انفصل عن الأصل الجيد واختلط بالجنس البدائي وهذه كانت الخطيئة كما شرحناها مفصلاً في الجزء الأول من الموسوعة.