«النبي يوسف» بين «أرض كنعان» و«مصر» في جنوب جزيرة العرب وليس في شمالها:

مقطع من موسوعة نينورتا التاريخية – الجزء الثاني اللغة الأم – فصل جغرافية الأنبياء. الدكتور أحمد داوود.

   نقرأ في التوراة «وسكن يعقوب في أرض غربة أبيه في أرض كنعان. وكان إسرائيل يحب يوسف على جميع بنيه .. ورأى إخوته أن أباه يحبه على جميع إخوته فأبغضوه. ورأى يوسف حلماً فأخبر إخوته فازدادوا كراهية له. ومضى إخوته ليرعوا غنم أبيهم عند شكيم. وأخذوه وطرحوه في البئر في البرية وكانت خاوية لا ماء بها. وجلسوا يأكلون وإذا بقافلة اسماعيليين مقبلة من جلعاد وجمالهم محمّلة بلساناً ولاذناً وهم سائرون لينزلوا إلى مصر. فباعوا يوسف للاسماعيليين فمرّ قوم مديَنيون تجار فجذبوا يوسف وأصعدوه من البئر وباعوه للاسماعيليين فأتوا بيوسف إلى مصر وباعه المدينيون في مصر لفوطيفار خصي فرعون رئيس الشرطة».

    تعرّض يوسف للسجن في مصر في الجبّ وقال إنه خُطف من أرض العبرانيين. ثم، وبسبب تفسير يوسف للأحلام وامتلاكه لعلم عبور الرؤيا أو تعبير الأحلام كما يدعوه العرب، رفعه فرعون منزلة «وقال فرعون ليوسف انظر قد أقمتك على جميع أرض مصر. فخزّن يوسف من البرّ ما يعادل رمل البحر كثرة قبل أن تدخل سنة الجوع. وبدأت سبع سني الجوع تأتي كما قال يوسف فكان جوعٌ في جميع البلدان وأما جميع أرض مصر فكان فيها طعام. فلما علم يعقوب أن القوت موجود في مصر قال لبنيه اهبطوا إلى مصر وامتاروا لنا فنحيا ولا نموت. فهبط عشرة من إخوة يوسف ليبتاعوا برّاً من مصر إذ كان الجوع في أرض كنعان. وحملوا ميرتهم على حميرهم وساروا من هناك. فلما فرغوا من أكل الميرة التي أتوا بها من مصر قال لهم أبوهم ارجعوا فابتاعوا لنا قليلاً من الطعام. ثم جادلوا أباهم فقالوا له إنه لولا أنا تلبثنا لكنا الآن قد رجعنا مرتين. فقال لهم يعقوب خذوا من أطيب فاكهة الأرض واستصحبوا هدية إلى الرجل شيئاً من البلسان والدبس ونكعة ولاذناً وفستقاً ولوزاً. رحل القوم ببقرهم وحميرهم وجميع ما لهم إلى مصر واستقروا في أرض جاسان لأنهم كانوا رعاة غنم.

   واشترى يوسف جميع أراضي المصريين لفرعون لأنهم باعوا كلُ واحد منهم حقله فصارت الأرض لفرعون. وأما الشعب فنقلهم في المدن من أقصى حدّ مصر إلى أقصاه. فلما مات يعقوب حنّطه الأطباء فصعد يوسف ليدفن أباه في أرض كنعان وصعد معه جميع عبيد فرعون شيوخ بيته وجميع شيوخ أرض مصر. تركوا أطفالهم وغنمهم وبقرهم في أرض جاسان. ودفن أباه في مغارة حقل المكفيلة في أرض كنعان. ثم رجع يوسف بعد أن دفن أباه إلى مصر». (سفر التكوين).

   إن قراءة واحدة لهذا النص المختزل من التوراة كافية لنرى بأننا أمام منطقتين متجاورتين؛ فهم بالتأكيد لم يعبروا صحراء سيناء باتجاه مصر هاربين من الجوع، كما أن البقر والغنم تهلك في هذا المسير الطويل والشاق قبل أن تصل، ثم أية مصر هذه التي يرحلون إليها من فلسطين ويعودون في اليوم مرتين؟! وهل الحمير هي وسيلة مثلى لقطع الصحراء في يوم واحد؟!

   إذن مصر هي الأراضي الممتدة شرقي تعز، أرض كنعان، والملاصقة لها.

   و«الاسماعيليون» المذكورون بقصة يوسف هم أهل مكة كما هو معروف، ذكرت التوراة بأنهم جاؤوا لينزلوا إلى مصر. متى كان المتجه من مكة إلى مصر وادي النيل ينزل إليها نزولاً؟، إذن يتحدث النص عن لحج جنوب اليمن بالتأكيد. أما بضاعتهم فهي:

   الطُّرْثُوث: هو نبات طفيلي معمّر يميل إلى اللون الأحمر واللون البنفسجي والأصفر، يتطفل على جذور بعض النباتات الصحراوية، وللطرثوت استخدامات كثيرة فهو يستعمل صبغاً أحمر وكان البدو في السابق يجمعونه للتجارة من أجل استخلاص الصبغ الأحمر وتخلط هذه الصبغة مع بعض المأكولات. ويعرف رأس الطرثوت باسم «النكعة» كما تصبغ الحلي به فتأخذ اللون الأحمر. يتواجد الطرثوث في دول عدة منها اليمن والسعودية.

   أما البلسان فهو المُقل المَكّي ويعرف باسم المرّ الإفريقي، وهو نوع نباتي شجري نفضي صغير ينتمي إلى الفصيلة البخورية، وهي فصيلة شبيهة بالبطمية.

   إن «مصر» المذكورة في التوراة والقرآن هي المنطقة الممتدة بين أبين وتعز، بين مديرية الحدّ ومديرية القبيطة، إلى الحوطة وتبن جنوباً، إلى المسيمير والجبّ شمالاً. ومن المفيد هنا أن نذكر بأن من معاني مصر بالعربية: الحدّ.

   برع النبي يوسف بحسن التدبير الغذائي، أو ما يعرف بالأمن الغذائي، وقام بتنظيم إنتاج القمح وتخزينه استعداداً للسنوات العجاف السبعة، وفعلاً نجد بأن القمح هو من أهم منتوجات سهول لحج باليمن حتى اليوم.

   «نوح» والطوفان الكبير: أين حدث طوفان نوح وأين استقرت السفينة؟. مقطع من موسوعة نينورتا - اللغة الأم. ص205

13 أكتوبر، 2025