مشفى التوليد وطب النساء، يتضمن غرف الفحص وليس أقزاماً تُعبد!.. “معبد حتحور” في وادي النيل تحول على يد المستشرقين من مشفى للتوليد إلى معبد للبقر والخرافات!

مقطع من #موسوعة_نينورتا_التاريخية – الجزء الثاني – #اللغة_الأم، لأحمد داوود ونينورتا أحمد داوود:

ما هو معبد #دندرة الذي أخذ اسمه من نقش “ضوء دندرة، المصباح الكهربائي مع البطارية الكهروكيميائية” كما شرحناه؟، إنه في الأصل وكما دعاه المستشرقون “معبد #حتحور”، فماذا قالوا عن “حتحور“؟

“حتحور Hathur: هي معبودة (إلهة) مصرية قديمة. جعلها المصريون تارة في صورة بقرة، وتارة في صورة امرأة لها أذنا بقرة أو على رأسها قرنا بقرة. كانت عندهم رمز الأمومة وربة الأسرة. ومعنى حتحور هو بيت حور أو ملاذ حور لأنها هي التي أوت اليتيم حورس ابن إيزيس وأرضعته، فغدت بذلك أمًا له وللطبيعة كافة باعتبارها رمزًا للسماء. وهي بالمصرية حوط حورأي حضن (أم) حورس، وقيل: أي سيدة الفيروز”.

هل فهمتم شيئاً؟ هل شرح لنا المستشرقون حقيقة حتحور ولماذا رمزوا لها بالبقرة ولماذا أصبحت رمزاً للأمومة والتي صارت “حضن حورس الطفل” ومرضعته؟!

في الواقع إن ما يشرح لنا حقيقة “معبد حتحور” هو ما يميزه، وما يميزه هو “غرف الولادة” التي قال عنها الدارسون: “يتميز معبد دندرة بمقصورة الولادة الإلهية التي هي عبارة عن بوابة انتقال المولود نحو العالم الآخر، إذ نجد على جدران المقصورة ثلاث شموس مجنحة وصفّ من الأفاعي يعلوها قرص الشمس، وتتعامد الشمس في بعض الأيام على مقصورة الولادة الإلهية داخل معبد دندرة الأثري. وتتسلل أشعة الشمس الذهبية إلى داخل المقصورة وتضيء غرفة الولادة المقدسة، التي تسجل نقوشها الولادة الإلهية للإمبراطور الروماني أغسطس – مؤسس الإمبراطورية الرومانية والإمبراطور الأول لها، وهي ولادة رمزية للملك تجعله مؤهلاً لحكم البلاد، وذلك بحسب المعتقدات المصرية القديمة. وكانت تلك الولادة الرمزية تجري وسط طقوس احتفالية يحضرها رجال الدولة وكهنة المعابد”.. !!

حقاً لقد احترنا مع هؤلاء المستشرقين والباحثين، فما علاقة “الإلهة” حتحور بالإمبراطور الروماني أغسطس؟ ولماذا يحتفل المصريون بولادته “الإلهية” أساساً؟، وهل كان هذا ال”معبد” مكرَّساً لعبادة حتحور؟ أم لتأليه الإمبراطور الروماني؟!. قالوا بأنه معبد بني زمن بطليموس وأضاف إليه القياصرة الرومان وقدموا فيه القرابين لحتحور، لكن ما الذي يجعل قياصرة روما يقدمون القرابين لحتحور؟ لا أحد يعلم.

في الواقع لقد ظلم المستشرقون حضارة المنطقة العربية القديمة ظلماً كبيراً حين أطلقوا تسمية “معبد” على كل منشأة ضخمة مجهزة بالتماثيل والغرف والنقوش الساحرة، فكما رأينا أن الكرنك لم يكن مجمعاً دينياً مكرَّساً لعبادة آمون، بل هو جامعة تعليمية مجهزة بالكامل ومرفق بها مشفى جامعي، كذلك كانت كل الصروح القديمة إما مدارس أو جامعات أو مشافي أو معامل، لننظر في معاني كلمة “عبد”:

بالعربية الفصحى عَبَدَ تعني: أدى الواجب، التزم بالفروض، أطاع القانون، خضع + خدم + وحّد.

إذن العابد هو العامل المؤدي لواجبه، الملتزم الموحّد، وجمعها عِباد. بينما العبْد هو المملوك الخادم وجمعها عبيد.

أما بالسريانية عبد تعني: عمل، فعل، صنع، خلق، أقام، صلح، نفع + ملك، اقتنى + ساعد + احتفل + مكث.

بينما عبدد: استعبد، استرق، قهر، أذل.

عبودا: عامل، صانع، خالق.

عبدا: عمل، فعل، صناعة، مهنة، حرفة، مال.

إذن فكلمة “معبد” بالعربية لا تعني مجرد عبادة أو مكان للصلاة، لكنها تعني معمل، مشغل، مصنع، مقام، دار سكن، مأوى. والعرب أطلقوا كلمة “صناعة” على كل علم تطبيقي يُمارَس، فالطب هو صناعة الطب، والميكانيك هو صناعة الحيلة… فالجامعات لدى العرب كانت تدعى أيضاً “مصنع العلوم” أو “جامع” والتي اقتصرت فيما بعد على معنى “معبد” الديني فقط، وكانت تتضمن بالإضافة إلى قاعات الدرس مخابر وورش حرفية، ومعامل تصنيع، ومصحّات، وكتل سكنية للإقامة المؤقتة للطلاب والأساتذة، وحتى اليوم يطلق المصريون على غرف المختبرات تسمية “المعمل”.

نستنتج أن “معبد حتحور” ذا غرف “الولادة الإلهية” التي حوّلها المستشرقون إلى خزعبلات كونية وقرابين للآلهة، كان باختصار “مشفى توليد”، لذلك صارت حتحور رمزاً للأمومة والأسرة، لا بل احتضنت “حورس” الصغير، لأنها ببساطة دار التوليد الذي يضم قسم الحواضن للمولودين حديثاً، وما نزال حتى اليوم في مشافي التوليد ندعو غرفة الوليد بال”حاضنة”.

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة؛ اسم الملف هو image-3.png

أما حتحور Hathor (بدون الصوتيات) بالمصرية فهي حوث حوار مع الصوتيات، حاث بالعربية: أخرج.

استحاث: استخرج. الحُوث: الاستخراج.

أما حور فهي حُوار وتعني بالعربية: الولد منذ يولد إلى أن يُفطم. وقيل هو حُوارٌ ساعةَ ولدته أمه. وجمعها أحوِرة وحِيْران وحُوران. إذن الحُوار هو الحديث الولادة بلغتنا اليوم. وليس “حورس” الطفل الإلهي (انظر لسان العرب).

إذن حتحور هي باختصار تسمية الطبيب أو الطبيبة التي تقوم باستخراج الجنين، إنهم أطباء التوليد.

لكن طبيب التوليد إذا تعذّر عليه استخراج الجنين بالطريقة الطبيعية فإنه سيتحتم عليه استخراجه بطريقة أخرى، هي شق بطن الحامل بعملية جراحية، هذا الفعل هو بالعربية “البقر”، نقرأ في لسان العرب:

البقير: هي التي شُق بطنُها عن ولدها، البقر: هو الشق والفتح والتوسعة، بَقرَها الطبيب عن جنينها: أي شَق بطنَها لاستخراج الولد، بقرْتُ بطنَه: شققته وفتحته (ابن منظور، لسان العرب).

علمنا الآن لماذا رمزوا لها بال”بقرة”، إنه جناس آخر باللغة العربية أرادوا به أن الطبيب من الممكن أن يضطر لفتح البطن جراحياً لاستخراج الجنين. هذه هي العملية القيصرية التي عرفها العرب منذ زمن قديم.

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة؛ اسم الملف هو image-4.png

إذن لقد كُتب ورُسم على جدران مشفى التوليد، حتحور، رسومات وكتابات تتحدث عن الولادة “القيصرية”، وليس عن “قياصرة روما”، وتسمية هذا النوع من العمليات هي تسمية عربية بحتة ولا علاقة لها بكون إمبراطور روماني قد وُلد بشق البطن، كما هو شائع، وهي بالعربية #الولادة_القيسرية لأنها ولادة الجنين القيسري، والقيسري: هو الضخم الكبير الذي يتعذر أن يخرج من عنق الرحم بشكل طبيعي (انظر لسان العرب).

وحتى لقب “قيصر” هو لقب عربي وأصله قيسر، والقيسر: الكبير القوي بالعربية، وصار سيزار Ceasar لأن حرف القاف قبل حرف صوتي ينقلب إلى C باللاتينية. وما يزال السوريون يلقبون سيّد العائلة ب “كبيرنا”.

إذن حاثحور ليست إلهة الأمومة والأنوثة، بل هي السيّدة المعلّمة الطبيبة الولّادة، وهذا لقبها. لذلك نالت أهمية كبيرة في التراث العربي المصري القديم.

لكن هناك رسم ملفت آخر في مشفى التوليد المصري القديم “حاثحوار” هو ما دعاه المستشرقون “الإله #بيس Bes”، يوصف على أنه حامي المرأة الحامل وراعي الولادة والطفولة، وهو “الإله المختص بحماية الأطفال أثناء الولادة”، يقول عنه الباحثون: “ويظهر الإله “بس” في معبد دندرة بقنا على هيئة قـزم؛ حيث دوره كان حامياً للطفولة والأمومة، وقد لعب دوراً مهماً في مصر القديمة كرب للمرح والسرور، ويتسم بصورة هزلية، وهيئة تجمع ما بين البشرية والحيوانية، تشيع الضحك والخوف في آن واحد، وقد حمل “بس” كرب حامٍ صفاتٍ شافية خاصة للسيدات الحوامل في المعبد، كما كان حاميًا للنائمين. كان يلهي السيدات الحوامل أثناء التوليد كما كان يسلي الرضع، حيث شكله عبارة عن قزم صغير ممتلئ الوجه والعضلات، واسع العينين، مبتسم، يجمع بين شكل الإنسان والقرد، حاملاً سكيناً أو سيفاً بيد، وأفعى بيد أخرى، صورة بيس غالباً ما كانت توضع على البوابات خارج بيوت الولادة”.

هكذا فهموا من هذه الرسومات، فمرة هذا القزم هو حامي الحوامل وراعي حديثي الولادة، وتارةً هو رب الفكاهة، لا بل ذهب خيال بعضهم إلى أن الأقزام كانوا آلهة ووزراء في مصر القديمة.

في الحقيقة إن نظرة واحدة على شكل هذا “الإله القزم الذي جمع بين الإنسان والقرد” كما دعاه المستشرقون كافية لنعلم أنه ليس شكلاً لقزم ولا إله، هو ببساطة شكل الشبل، صغير الأسد، وأحياناً الجرو (صغير الكلب)، وأحياناً الطفل حديث الولادة، وليس “الإله القزم رب الحوامل والسرور!”. إنه تصوير لشكل الطفل المولود لتوّه ببساطة. حتى لسان الرضيع خارج فمه صوروه في إحدى نقوش “بيس”، وإن هذا الرضيع الحديث الولادة لا يحمل سكيناً ولا أفعى، لكنها تصوير لقطع الحبل السري بعد الولادة مباشرة. إن هذه الغرف التي تزين رسومات الأطفال الرضّع بواباتها هي ببساطة غرف فحص الحامل والجنين، أو غرف فحص حديثي الولادة، وما يزال الأطباء في البلاد العربية يدعون عيادات الكشف الطبي ب”غرفة الفحص” أو “غرفة المعاينة”. كان رمز هذه العيادات بيص Bes (وليس الإله بيس)، وهي من فعل “بصا” بالعربية الفصحى والسريانية:

بصا: بصا، استقصى، فحص، لاحظ، عاين، بحث، اختبر. إنه ببساطة رمز غرفة الكشف والمعاينة، وليس إلهاً ولا اسماً لأي إله!

الأهرامات ليست مدافن لأحد، بل هي محطات لمعالجة المياه! خوفو، خفرع ومنقرع.. هل هي حقاً أسماء لملوك في مصر القديمة؟ أم كلمات ذات دلالات علمية بحتة؟

15 يوليو، 2021

هل "رع" هو حقاً إله الشمس كما فهمه المستشرقون؟، ما هو قرص الشمس بالنقوش القديمة؟ ومن هو "الشمّاس" بالديانة المسيحية؟، وهل "أضحى" في الإسلام تعني ذبح الأضاحي؟.. التراث العربي الروحي بين الحقيقة والتفسير المغلوط.

15 يوليو، 2021