“آمون”، بين خرافات المستشرقين وعلماء “المصريات”، وحقيقة التسمية واللغة والنقوش – د. أحمد داوود

من الواضح إذن أنه وقع التباس في فهم الجذر “إ م ن” الذي يعني في كل نص شيئاً مختلفاً اعتقدوا أنها كلها تتحدث عن شيء واحد هو آمون، مع أنها من الممكن فعلاً أن تكون في بعض النصوص كلمة يمين، أيمن، بالعربية، وليست تدل على آمون الإله، كما أنها من الممكن جداً أنها تعني في نص معين بلاد اليمن. تجب العودة للنصوص وقراءتها لمعرفة حقيقة معنى “إمن” في كل نص وعلام تدل.

أما آمون الإله إ م ن، فدعونا نقرأ معاني التسمية بالعربية:

اليُمن: البرَكة، والميامين: المباركون، والله هو اليامِن لأنه معطي البرَكة. يقول الشاعر الكميت:

                         ورأتْ قُضاعةُ في الأيامن    رأيَ مثبــــــــورٍ وثــــــــابـــــــــــر        

الرجل الأيمن: رجل ميمون مبارك، وأصحاب الميمنة أصحاب البرَكة وهم الممدوحون بالقرآن والموعودون بالجنة بسبب فعل الخير والفضيلة بالطباع، كما ذُكر أصحاب الجنة بأنهم يستلمون كتابهم بيمينهم. وفي الحديث عن النبي محمد: }الحجر الأسود يمين الله في الأرض{.

اليمين: القوة والقدرة، واليمين: الحلف والقسَم.

وفي الحديث: }النجوم أمَنَةُ السماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماءَ ما توعد، وأنا أمَنَةٌ لأصحابي فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون{، قال المفسرون: الأمَنة جمع الأمين وهو الحافظ.

الايمان: التصديق. والأمين: الصادق، الحافظ، والقوي القادر.

الأمُون: الأمينة وثيقة الخَلْق.

إن “آمين” التي تختم الفاتحة من القرآن تعني “لقد صدّقنا الرسالة، التنزيل، البلاغ”، حل محلها فيما بعد “صدق الله العظيم”، وما تزال كلمة آمين تختم صلوات العرب المسيحيين حتى اليوم وهي التي انتشرت في كل العالم بكلمة Amen و Ameno. وهي بالسريانية:

آمن: دام.

أمينو: دائم خالد سرمدي، ثابت، مواظب.

أمين: دائماً أبداً.

أمينوتا: خلود، ثبات.

آمين: حقيقة، حقاً، صدق.

أما معنى “أمون” بالسريانية فنقرأ:

اومان: صانع عامل، حاذق، ماهر، خلّاق.

اوماني: صناعي، عملي، ماهر، خبير.

اومانوتا: صناعة، حرفة، عمل، مهارة.

إمينو: صانع، عامل.

إمينا: صناعة، مهنة، خلق.

أموني: أعيان، أشراف، جبابرة، سكان البلد، مفردها أمون.

وما يزال سكان الساحل السوري حتى اليوم حين يذهلون من خبر أو حقيقة يقولون “يا أمَان” مع تفخيم حرف الميم، وهي تعني حرفياً يا حفيظ، يا جبّار. كذلك فإن القدود الحلبية السورية كثيراً ما تبتديء بلفظ “أمان أمان”، وتعني أيضاً يا حفيظ، يا جبّار. دخلت هذه الكلمة إلى التراث الغنائي الشرقي في مقامات الطرب وبقيت إلى اليوم يقولها الأتراك والآذريون.

إذن أمان أو أمون Amun تعني الحافظ الجبّار، من الجبابرة الأشراف، الأمين تامّ الخلق، القوي الصادق الخالد الذكر، وهو من الأعيان، ومفردها العين، وعن “العين” بالعربية نقرأ في لسان العرب:

العين: الذات. وعين كل شيء أجوده.

عين القوم: وجيه القوم، وهو أفضلهم ونخبتهم وخيارهم، وجمعه أعيان. فالأعيان وجهاء الناس وخيارهم وأحسن من فيهم. كما أن العين: الذهب.

العين أيضاً تعني قرص الشمس بالعربية، ويقول السوريون حتى اليوم عن غروب الشمس “عتّمت العين، غابت العين”.

هنا تدخّل فن الجناس العربي بتصوير المعنى المراد باستخدام الصورة والرمز (الهيروجليفية)، فاستخدموا قرص الشمس للدلالة على هؤلاء الأعيان – الجبابرة – الأشراف، في نقوش عرب وادي النيل القدماء، فاعتقد الباحثون بأن آمون رع هو “رب الشمس”، لكنه ببساطة رمز تصويري لابن الجبابرة الأشراف، الأعيان.

من هنا التبس الأمر على الباحثين الأجانب كالعادة في تعاملهم مع نقوش العرب القدماء، فاعتقدوا أن وجود قرص الشمس يعني أن أصحاب الحضارة القديمة المذهلة قد عبدوا الشمس، وهذا أمر مثير للسخرية حقاً، أنهم كلما رأوا صورة، أو نحتاً، لشيء أو لحيوان ما، جعلوه معبوداً. أما صورة العين في النقوش القديمة فتمخّض عقلهم العاشق للخرافات عن تفسير مضحك آخر لها هو أنها دليل على عراقة تنظيم ماسوني عالمي اتخذ العين رمزاً له.

نحن نؤكد أن سكان وادي النيل لم يعبدوا الشمس يوماً، ولا عبدها سكان سوريا ولا العراق (منطقة الرافدين) ولا اليمن ولا ليبيا ولا شمال إفريقيا، بل كان قرص الشمس (العين) رمزاً للراعي الحافظ الوالي (رع)، كذلك رمزوا للذات الإلهية الكلية، البصيرة، راعية الكون، بالعين. كما جعلوا قرص الشمس (العين بالعربية) رمزاً للأعيان، الجبابرة، الأشراف، باستخدام الجناس. ولا تزال بعض الدول العربية تسمّي مجالسها التشريعية ب “مجلس الأعيان”: “ويتضمن رؤوساء الوزارات والوزراء الحاليين والسابقين، ومن أشغل سابقاً مناصب السفراء والوزراء المفوضين ورؤوساء مجلس النواب ورؤوساء وقضاة محكمة التمييز ومحاكم الاستئناف النظامية والشرعية والضباط المتقاعدين من رتبة أمير لواء فصاعداً، والنواب السابقين الذين انتخبوا للنيابة لا أقل من مرتين، ومن ماثل هؤلاء الشخصيات الحائزين على ثقة الشعب اعتماداً بأعمالهم وخدماتهم للأمة والوطن”.

إن مجلس الأعيان اتخذ لدى العرب القدماء أيضاً تسمية “مجلس الشيوخ”، وهو التقليد العربي القديم في طريقة إدارة البلاد الذي انتقل مع العرب السوريين إلى روما (مجلس الشيوخ الروماني) ثم إلى الغرب والعالم كله (مجلس الشيوخ الأميركي)، وبقي العالم إلى اليوم يستند إلى هذا التقسيم العربي في حكم البلاد وسن القوانين.

يقول ول ديورانت عن مجتمع الدولة البابلية العربية حين كانت العاصمة بابل: “وكان يدير دولاب الحكم عدد من كبار الإداريين في العاصمة والأقاليم يعينهم الملك وكان معهم جمعيات اقليمية أو بلدية مؤلفة من أعيان البلاد أو شيوخها يسدون النصح للحكام ويمنعونهم من تجاوز الحدود”. (ول ديورانت، قصة الحضارة، المجلد الأول، ص 207).

واستمر هذا التقليد العربي حتى زمن الملكة السورية زنوبيا في القرن الثالث ميلادي حين تحدثت عن حياتها وعن عائلتها: “كان والدي عمرو رئيس القوافل ورئيس الشرطة وقاضي التجار، أصبح عضواً في مجلس شيوخ تدمر”. (برنارد سيميوث، الأوراق السرية لملكة تدمر زنوبيا، ترجمة هيثم سرية، ص11).

إذن مجلس الشيوخ، والذي كان مجلس شيوخ العشائر العربية ووجهائها، هو رأس المنظومة التشريعية في البلاد، من هنا جاء اسمه: سينّاتور Senator وهي من السُّنّة وتعني الأحكام بالعربية، سننتُ سنّة: بيّنت طريقة ليتبعوها ونهجاً يُفعل به، سننتُ الإبل: أحسنتُ رعيتها والقيام عليها. سنّ القوانين: شرّعها وأطلق أحكاماً تصير نهجاً، قانوناً يُتّبع. (ابن منظور، لسان العرب).

المُشرِّع، السنّاتور: هو مسنّ القوانين أو الأحكام أو السلطة التشريعية.

مقطع من موسوعة نينورتا التاريخية – الجزء الثاني، اللغة الأم، لغتنا التاريخ، وأسماؤنا

دار نينورتا للنشر والتوزيع الورقي والالكتروني

5 مارس، 2021

لماذا يرتدي الطبيب الجرّاح اللباس الأخضر، والكادر التمريضي اللباس الأزرق، والطبيب في عيادته الرداء الأبيض؟ خونسو في نقوش وادي النيل، الطبيب الذي جعلوه إلهاً للقمر!

5 مارس، 2021