لماذا يرتدي الطبيب الجرّاح اللباس الأخضر، والكادر التمريضي اللباس الأزرق، والطبيب في عيادته الرداء الأبيض؟ خونسو في نقوش وادي النيل، الطبيب الذي جعلوه إلهاً للقمر!

لماذا يرتدي الطبيب اللون الأخضر في غرفة العمليات؟ يجيبون بأنه “اللون المريح للعين والأكثر قدرة على التركيز”، لكن الحقيقة أن العالَم كما أخذ عن العرب علم الطب، كذلك أخذ عنهم تقاليده دون أن يدركوا معناها.

إن العمليات الجراحية كما أسلفنا هي عمليات قطع، وبتر، وشق، وخياطة… إنها بشكل أساسي “قطع جراحي”. لننظر إلى معاني “خضر” في لسان العرب:

اختضر: قطع.

اختضر الشيء: قطعه من أصله، واختضر أذنه قطعها.

إذن ميّز العرب الجرّاحين باللباس الأخضر، أي أنهم المتخصّصون بقطع الأنسجة والأعضاء وخياطتها.

أما اللباس الأزرق للكادر التمريضي، فهو أيضاً جناس عربي، والكلمة هي زَرَقَ. نقرأ في لسان العرب:

زرق: أدخل، زرّق الشيء: أدخله بصعوبة.

زرق بالمزراق: رمى، طعن. المزراق: رمح قصير خفيف يُغرز بالجسم.

الزَرْق بلغة الطب: إدخال إبرة الدواء بالوريد أو بالعضل.

كلمة سرنغ هي بالسريانية صيري نيق وتعني محقن إبرة الدواء، صارت Syringe ثم لفظت سيرنغ.

إن حقن المواد الدوائية عن طريق غرز الابرة يُدعى “الزَّرْق” بالعربية حتى اليوم.

إن الكادر التمريضي عموماً هو الذي تقع على عاتقه مهمة حقن الدواء بالوريد أو بالعضل، أو تسريب السيروم  بالزرْق الوريدي، أو حقن الابرة الحاوية على الدواء بجسد المريض، أو زرق الابرة بالشريان لسحب الدم. فقام العرب بتحديد لون لباس هذا الكادر الطبي بالأزرق لأنه من يقوم ب”الزَّرْق”، لا بل جعلوا حتى الكفوف الطبية الخاصة بإعطاء الابر وسحب الدم بلون أزرق أيضاً.

إنه مرة أخرى الجِناس العربي حين يقومون بالدلالة على المعنى من خلال صورة، أو رمز، أو حتى لون محدَّد.                                                                                  

من الواضح أن العرب عرفوا استخدام الابر منذ آلاف السنين، لكن ما زلنا لا ندري ما هي المواد التي صنعوا منها هذه المحاقن.

أما فيما يخص هيئة ولباس خونسو أحد أركان ثالوث طيبة المقدس في مصر وادي النيل الذي هو “رداء طويل أبيض مُحكَم ومُقفل” كما وصفه الآثاريون، فليس سوى لباس الطبيب الأبيض أثناء ممارسة مهنته. لماذا رداء الأطباء أبيض؟ لأنهم بلغة العرب “بيضة البلد”، فمن هم بيضة البلد؟ نقرأ في لسان العرب:

بيضة البلد: السيّد في بلاده، يجتمع إليه الناس ليأخذوا من حكمته ونصحه، يرجعون إليه ويُقبل قوله، بسبب أنه ليس مثله أحد في شرفه ومكانته وعلمه. وما يزال العرب يلقّبون الطبيب ب”الحكيم” حتى اليوم.

لكن المستشرقين جعلوا من خونسو إلهاً للقمر، متعطشاً للدماء، بشروحات خاطئة تماماً ومهينة للعقول لا تمت لحقيقة النصوص القديمة بصلة، لقد حولوا علماءنا القدماء إلى مجموعة بدائيين سذج متوحشين يعبدون الشمس والقمر!

مقطع من موسوعة نينورتا التاريخية لأحمد داوود، الجزء الثاني، اللغة الأم.

"آمون"، بين خرافات المستشرقين وعلماء "المصريات"، وحقيقة التسمية واللغة والنقوش - د. أحمد داوود

26 مارس، 2021

مصابيح دندرة في مصر وادي النيل، وبطارية بابل. ماذا تعني "دندرة"؟ وهل عرف العرب القدماء الكهرباء حقاً؟

26 مارس، 2021