العلوم العظيمة في القرآن، الحلقة الرابعة: حقيقة آية “سنسِمُه على الخرطوم”، علم الجينات بتفاصيله ومصطلحاته باللغة العربية التي انتقلت إلى الغرب مع علوم العرب.

مقطع من #موسوعة_نينورتا_التاريخية، الجزء الثاني #اللغة_الأم، ل د. أحمد داوود، ود. نينورتا أحمد داوود.

أما بخصوص اللون، فإن العرب حين يستخدمون كلمة “صبغ” فهم لا يعنون بها المعنى الشائع الذي يرد للذهن من الصباغة والتصبغ بمعنى تلوّن بلون، بل صبغ بالعربية تعني بالإضافة إلى التلّون بالأصبغة فإنها تعني أيضاً: التغيير والإشارة والخِلقة (لسان العرب)، وهذا هو تماماً المقصود في الآية في سورة البقرة }صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُۥ عَٰبِدُونَ{ (البقرة – 138)، أي أنه خلق الله ومن أحسن من الله خلقاً، لذلك فحين قام العرب بتسمية المورِّثات بالصبغيات أو القرميات فهذا لا يعني أنها تتلون بأصبغة كما فهمها الغرب وعلماؤه الذين ادّعوا لأنفسهم علماً لم يكتشفوه ولا ابتدعوه ولا أطلقوا مصطلحاته بل وجدوا هذه العلوم كما هي بكلماتها العربية لكنهم عجزوا عن تفسيرها فاعتقدوا بأن الصبغيات (قروماتين) تعني أنها تتلون بأصبغة بينما هي في الحقيقة تعبير عربي عن الخلق وتنوُّعه، لذلك كان من الطبيعي أن يخرج أحدهم معترضاً على التسمية بدلالة أن “الكروموسومات ليست متلوّنة بالأصل فلماذا دعوناها بالصبغيات؟”.

أما نكليوتيد أو النَّوَوِيد Nucleotide فهي في علم الأحياء وحدة أساسية في بناء حمض نووي ريبوزي منقوص الأكسجين DNA، وحمض نووي ريبوزي RNA؛ فهي بمثابة الحروف الأساسية التي تكتب بها الجينات، والتي تنقل أوصاف الطفل من الأم والأب. تبنى النيكليوتيدات على قاعدة نيتروجينية أو ما يدعى بالأسس الآزوتية، وهي أربعة أسس آزوتية (نتروجينية) تشكل كل ما على الأرض من حياة باصطفافها ثلاثة ثلاثة بحسب الكود الوراثي الخاص بالنوع الحي وشيفرته الوراثية الخاصة، إنها عملية برمجة عضوية بمعنى الكلمة.

كنا تحدثنا مفصلاً في كتابنا (تاريخ سوريا الحضاري القديم – 1، المركز) عن الشيفرة الوراثية، ونعود ونؤكد وجودها في مخطوطات عربية قديمة ككتاب تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب للطبيب والصيدلاني السوري داوود الأنطاكي الذي يعود تاريخه للقرن السادس عشر ميلادي حيث يصف الشيفرة الوراثية قائلاً في وصف خلق الخالق: “وحكم أفضتَها على ما تكاثر مزجاً فاعتدل، واستخرج ما دق في الثلاثة من سرّ الأربعة على تكثّرها وجلّ”. (داوود الأنطاكي، تذكرة أولي الألباب، خطبة الكتاب ص6).

نعم إن الحياة كلها تقوم على أربعة قواعد أساسها عنصر النتروجين أو الآزوت، إن هذه القواعد النتروجينية هي بمثابة الجذور الأربعة للحياة التي باختلاف تواترها وترتيبها على حبل ال DNA تحدد شكل ونوع ومصير جميع الكائنات الحية، بهذا نستطيع القول بأن هذه القواعد الآزوتية هي حِبر الخلق بكل معنى الكلمة، هي التي تقوم بتسطير جميع المعلومات الوراثية للكائنات، وحين نعلم بأن عنصر الآزوت أو النتروجين رمزه الكيماوي N أو نون بالعربية، سنفهم حينها عمق الدلالة العلمية المذهلة لآية }ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ، مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُون{ (القلم:1،2). وأما الأكثر إدهاشاً فهو ورود كلمة “وسْم” في آخر السورة القرآنية حين تحدث عن الذي يرفض الحقيقة ويزهو بنفسه بتعبير }سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ{، لقد استخدم القرآن هنا تعبير الوسم القرمي الذي سنشرحه الآن، أما الخرطوم فهو شكل حبل الكروموزومات المجهري، وهذا أمر مذهل آخر، إذ لا يمكن أن تعني كلمة “الخرطوم” هنا خرطوم الفيل ولا خرطوم المياه بالتأكيد، وأما ما جاء به بعض المفسرين من أنه كناية عن الذل وشرحوا الخرطوم بأنه أنف الإنسان فهذا أقل من أن نرد عليه، يضاف إلى جملة التفاسير القاصرة المهينة للعقل والمنطق التي ألصقوها بالنصوص القرآنية. إن نظرة واحدة إلى شكل حبل الـ DNA بالتكبير الإلكتروني ستجعلنا ببساطة نشاهد ما يشابه خرطوم فعلاً، لكنه حبل الجينوم الحامل للشيفرة الوراثية.

إذن }سنسمه على الخرطوم{ تعني حرفياً سنتدخل في وسمه الوراثي وسنجعله وسماً لنوع آخر غير البشر، وهو الذي يدعى عند بعض المذاهب الإسلامية وغيرها بـ”المسخ”، أي أنه سيعاقب بانحطاط ترتيبه الخلقي.

وهنا من الملفت ومما يجب أن نتوقف عنده هو صراحة التسميات العربية في علم الوراثة الذي يُعتبر من العلوم الحديثة.

اللغة العربية في مصطلحات علوم الوراثة والجينوم:

إن كلمة زيجوت Zygote في علم الوراثة تعبّر عن الخلية الناتجة عن عملية الإخصاب – التزاوج، وهي خلية ثنائية الصيغة – زوجية الصيغة.

إذن الزيجوت باختصار هو الشكل الزوجي لخيط DNA، فبينما تكون البيضة ذات صيغة أحادية من DNA والنطفة من الذكر ذات صيغة أحادية من DNA فإن الزيجوت هو اتحاد الصيغتين لتصبحا صيغة ثنائية ال DNA كل صيغة جاءت من أحد الأبوين، أليست كلمة زوج وزواج بالتالي هي التعبير الحرفي عن اقتران الصيغتين الوراثيتين للذكر والأنثى؟ ويكون بالتالي تعبير “زيجوت” هو اسم عربي صريح لحالة الشكل الزوجي وليس الأحادي، كما أن صيغة (وت) في آخر الكلمة هي صيغة عربية للاسم ككهنوت وملكوت وناسوت وتاروت… إلخ.. وما يزال السوريون يقولون للزواج (زيجة) حتى اليوم.

لا بل أكثر من ذلك، إن عملية التزاوج جينياً تأخذ شكل التصالب X، وبالعربية ندعوها بالتصالب، فماذا تحمل كلمة “الصّلب” العربية من معاني؟ نقرأ في لسان العرب: والصُّلب: القوّة، والحَسَب. والحَسَب: الشرف الثابت في الآباء. إن هذا أمر مدهش، اللغة العربية تحمل من آلاف السنين الشكل الميكروسكوبي لعملية اقتران الجينات، إنها باختصار “صُلبان” مجهريّة أو شكل X.

إن الصيغة الوراثية متماثلة الزيجوت تعني أن الصفات المحمولة على الجينات متماثلة من الأبوين، بينما الصيغة متغايرة الزيجوت تعني أن الصفات المحمولة على الجينات والمنحدرة من الأبوين مختلفتان، لذلك كثيراً ما نجد أبناء زرق العيون لوالدين ليسا أزرقي العيون ذلك أنها صفة متنحّية حملها الأبوان لكنها لم تظهر فيهما بل ظهرت لدى الأبناء.. لهذا نعود ونؤكد بأن مسألة الأعراق المبنية على السحنة واللون هي مسألة غير علمية على الإطلاق.

الصفات الوراثية تُحمل على الإلّيل، لكن ما هو تعريف الإلّيل؟ يقول العلم:

معظم الكائنات الحية متعددة الخلايا تحتوي على مجموعتين اثنتين من الكروموسومات، إذ ترث واحدة من الأب وواحدة من الأم،هذا يعني أنها تحمل نسختين من كل جين (أي زوجاً من الألائل لكل جين). إن كان كلا الأليلين متطابقين، فالكائن الحامل لها يسمى زيجوت متماثل, ويوصف بمتماثل الزيجوت. وإن كان الأليلان مختلفين، فالحامل لها هو زيجوت متباين ويوصف بمتباين الزيجوت، إذن الألّيل أو الحلّيل هو أشكال مختلفة للجين ذاته، هي المسؤولة عن تحديد النمط الظاهري للكائن، فمن أين جاءت التسمية؟

نجد بالسريانية أن حَلول تعني: كهف، مغارة + مخرط + مثقب، برغي، لولب

أما بالعربية الفصحى فنجد: حال الشيء حؤولاً تحوّل، تحوَّل انتقل من موضع إلى موضع، والحال كينة الإنسان، والحائل المتغير اللون، والمنفرد بعد عقده.

التأليل: التحديد والتحريف.

أللا الكتف: لحمتان متطابقتان بينهما فجوة.

الألل والأللان: وجها السكّين.

نجد كل ما سبق يصف الألّيل Allele، فهو يشبه لولب المثقب فعلاً بالتكبير الالكتروني، وهو جزء من حبل منفرد، وهو المسؤول عن تغيّر وتحديد سحنة الإنسان وألوانه حين ينتقل من جيل لجيل، هو باختصار أجزاء الجين المسؤولة عن توريث الأنماط.

أما الـ جينات Genes فهي باختصار هويّة الكائن المخفيّة، إنها بصمته الخاصة ليس بالنوع الواحد فقط بل بكل فرد من النوع، إن كل واحد منّا يحمل بصمته الوراثية الخاصة به ودخل ذلك في علم الجريمة والتحقيق الجنائي. الجينات هي المعلومات الوراثية التي تنتقل من الأبوين إلى الأجيال، ، تتم ترجمتها بأمانة، يُعبَّر عنها ظاهرياً عن طريق الحموض الأمينية التي تقوم ببناء البروتينات، فما هي معاني الكلمة بالعربية:

بالسريانية: جِني: استتر، اختفى، توارى، احتجب.

شجيني: بدّل، غيّر اللون، حوّل، أحال، عبّر، ترجم، نقل.

إنه حقاً شيء مذهل، لقد حملت هذه الكلمة جميع مواصفات الجينات ووظيفتها.

بالعربية الفصحى من لسان العرب لابن منظور:

كلُّ شيء سُتر فقد جُنَّ.

الجنين: الولد ما دام في بطن أمه لاستتاره فيه، والاجتنان: الاستتار، والجَنان: الأمر الخفي، ولدى العرب مثَل يقول “جُناتها بُناتها”.

جنى الثمر: تناوله من شجرته، والجاني أيضاً اللقَّاح، يعني الذي يُلقّح.

إنها كلمة عربية صرفة تصف وظيفة الجينات فعلاً، فهي مستورة داخل نوى الخلايا بشكل حبل DNA، لا تُرى بالعين، خفية، كما أنها تنحدر من الشجرة الوراثية للكائن تماماً كالثمر، كما أن عملية التلقيح علمياً هي إضافة معلومات وراثية أبوية لمعلومات وراثية أمومية لينتج ثمرة الزواج التي بدورها تحمل معلومات الأبوين.

إن اللغة العربية ما تنفك تؤكد لنا بأنها لغة كونية وليست لغة عادية، إنها لغة تحمل كل أنواع العلوم ومصطلحاتها مع أن عمرها يعود لآلاف السنين، وهذا دليل آخر أن جنس آدم العاقل قد جرى تلقينه اللغة والعلوم بمصطلحاتها التي أخذها الغرب عن الكتب العربية وبقيت مصطلحاتها العربية كما هي حتى اليوم، ولو سألنا أي شخص في العالم اليوم من أين جاءت كلمة جينات؟ فإنه سيعجز عن الإجابة.

الكلمة الأخرى المتصلة بعلوم الوراثة والجينات والتي هي أيضاً كلمة عربية هي كلمة كروموزوم:

كروموسوم Chromosome: أو الصّبغي، يعرّفونه بأنه “مشتق من الإغريقية χρωμόσωμα أو chromosoma، حيث chroma تعني لون و soma تعني جسم، أي أنه الجسم الملوَّن، وهي حزمة منظمة البناء والتركيب يتكون معظمها من حمض نووي ريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) في الكائنات الحية تقع في نواة الخلية، وهي عادة لا توجد من تلقاء نفسها وإنما تقترن في العضويات حقيقيات النوى مع العديد من البروتينات الهيكلية تسمى هستون، وتقوم هذه البروتينات إلى جانب بروتينات أخرى مرافقة بعملية توضيب وطيّ لسلسلة الـ DNA كيلا تبقى مفرودة على شكل خيوط متشابكة، ولكل كروماتيد في الكروموسوم الواحد ذراعان أحدهما طويل والأخر قصير”.

لماذا جسم ملوَّن؟ يجيبون بأنها “تسمية تصف القابلية العالية لهذه المركَّبات لأن تتلون بأصبغة معينة. تم الإشارة لهذه الأجسام بهذا الاسم من قبل فون فالدير هارتز، أما الكروماتين فقد تمت تسميته من قبل فالتر فليمنغ، لكن شير إيميليو باتاغليا (1917 – 2011) يقول إنه مع الوقت باتت أغلب هذه المصطلحات التي تعبر عن شكل الأشياء غير كافية وغير منطقية وحتى في بعض الأحيان غير صحيحة بمفهوم التسمية ذاته، ويجب أن يتم استبدالها بتسميات أخرى مناسبة أكثر ومتوافقة مع التقدم العلمي الحالي، وأبدى هذا الكاتب في مقال خيبة أمله بلا منطقية التسميات الحالية (كروماتين وكروموسوم) والمنهجية التي اعتمدت عليها هذه التسمية، فاسما كروماتين وكروموسوم يشيران إلى حالة غير ملوَّنة من المادة الجينية أساساً”.

وهنا سنتوقف عند أصل وحقيقة التسمية، إن كروموسوم مؤلفة من كلمتين هذا صحيح، كرومو لون لكنها لا تعني فقط اللون، أما سوم فليست تعني جسد كما فسروها لكنها السمة أو الوسم، إن كلمة كروموسوم هي حرفياً بالعربية “الوسم اللوني” أو “الوسم القرمي”، لكن الغرب قرأ المصطلحات العربية من اليسار لليمين فجعل الصفة قبل الموصوف كعادتهم حتى اليوم. فما هو الوسم القرمي؟:

بالسريانية: قورما: قرمية، جرثومة، أصل. قورمتا: أصل الشجرة.

قرمو: ملح يُصبغ به، ستر أحمر أو ثوب ملوَّن، مقرَّم فيه نقوش.

أما سمة فهي بالسريانية: سيما، سيمتا: جعل، صيَّر، فرض، جزم، ألَّف، أنشأ، حكم، رسم، سام، غرس، زرع، أسّس، بنى، حسب.

كذلك بالعربية الفصحى نجد: القِرام: ثوب من صوف ملوَّن، أو ستر رقيق، فيه رقم ونقوش وألوان، منها جاءت كروماتين Chromatin الصبغي بلغة العلم.

أما وسم فنجد معانيها كالتالي: وسمه وسْماً وسِمةً: أثَّر فيه بسِمة وكيّ.

يسِم: يعلّم على. اتسم الرجل: إذا جعل لنفسه سِمة يُعرف بها أو صفة أو رمز. السِّمة والوسم: ما وُسم به الكائن من ضروب الصوَر والرموز.

إذن قروموسوم هي حرفياً الوسم القرمي وتعني أساس وسِمة الخلق، شيفرة الخلق، أصل النوع. حين انتقلت الكلمة من المخطوطات العربية إلى الغرب صارت الصفة قبل الموصوف كعادة اللغات الأجنبية والوسم القرمي أي الشيفرة أو الترميز الصبغي حرفياً باللغة العربية، صار قروم وسم = قروموسوم.

من أين أتى علماء الجينات اليوم بهذه المصطلحات العربية التي يجهلون هم أنفسهم أصلها ومعناها؟، هذا يبقى بانتظار أن يزيح أحد الباحثين الستار عن الحقائق المغيبة.

العلوم العظيمة في القرآن، علم المركبات "الناقة"، الجزء الثاني: كيف وردت المركبات في نصوص سورية - عربية قبل وبعد الإسلام؟، تسمياتها العالمية وجذرها ومعناها الحقيقي بالعربية، العلوم التي سُرقت كما هي بتسمياتها..

24 سبتمبر، 2021

الجنس العاقل الأول وعلم الجينات: دراسات عالمية دولية حديثة حول مجموعات الهابلوغروب البشرية تسقط الكثير من المزاعم السياسية التي شوهت كتابة التاريخ.

24 سبتمبر، 2021