تفسير الرمزية باللغة العربية بشكل خاطيء وسطحي أدى إلى تشوهات فادحة في تفسير التراث الآثاري والقرآن الكريم، رؤيا ابراهيم نموذجاً، فما هو تفسيرها الحقيقي؟

مقطع من موسوعة نينورتا التاريخية – جزء ثاني، اللغة الأم، لأحمد داوود و نينورتا أحمد داوود:

بالعودة للرموز، الثور إذن لم يكن إلهاً عبدوه بل كان رمزاً للسيادة، كما أنه كان رمزاً للعقيدة الزراعية التي لعنت عقم الأرض وألقت على الإنسان مسؤولية تأهيلها واستصلاحها وسقايتها وزراعتها والعناية بها. والثور المجنَّح كان رمزاً للقيادة العليا للدولة بجميع مؤسساتها.

وهنا سنعود لأسطورة كرونوس، التي فهموا منها بأنه قام بالتضحية بابنه، وجعلوا من التضحية بالأبناء طقساً كنعانياً استمر حتى زمن ابراهيم الذي كان على وشك التضحية بابنه أيضاً، وسنناقش هذا الفهم، هل هو صحيح؟

يقول النص: “وقد انتشر طاعون وموت كثير، فضحّى قرونوس أضحية لوالده أورانوس ابنه الوحيد وختن نفسه، وبعد زمن قليل كرّس ابنه الذي ولد من رحيّة وكان يدعى “موت”، وكان الأولاد يسقطون في تنّور مليء بالنار”، (يوسف الحوراني، نظرية التكوين الفينيقية، ص88).

وهنا سنسأل: هل يوجد أحد في العالم يرمي بأولاده طوعاً في تنور مليء بالنار، كأضحية؟، إن من يقوم بمثل هذا الفعل لا بد أن يوصف بالاعتلال العقلي والاضطراب والجنون، حتى الوحوش لا تفعل ذلك، فكيف قبل الدارسون والمؤرخون مثل هذه التفاسير المقيتة للنصوص القديمة؟. دعونا نتأمل نماذج من بعض التركيبات اللغوية التعبيرية العربية التي ما يزال يقولها العرب حتى يومنا هذا، وسنفهم على الفور ونحن نقرؤها معناها ومقصدها:

“لقد ضحّيت بأولادي في هذه الحرب، فداءً للوطن”…

“لقد رمى هذا الصراع المرير بأولادنا في أتّون المعركة، ولقد اكتوينا بنارها، وحرقت الأخضر واليابس”..

“حين اجتاح الوباء بلادنا، تقدّم ابني للمساعدة ومات، لقد ضحّى بنفسه في سبيل مساعدة الآخرين وتخفيف آلامهم، إنه كان ممرضاً، أو طبيباً ماهراً، لقد كان قرباناً للإنسانية”..

الآن، هل فهم أحد القرّاء من أية جملة من الجمل السابقة أن هناك تضحية ما حدثت بمعنى القتل المتعمَّد كقرابين بشرية؟، وهل فهم أحدكم من عبارة “أتّون الحرب” تنّوراً مليئاً بالنار يسقط الأولاد فيه ويحترقون ولا مغيث؟. إن العقلية التي تفسر الجمل الواردة أعلاه بأنها قرابين بشرية لا بد أن توصم بالجهل والقصور، إذ إننا كعرب فهمنا المقال بلمح البصر لأننا نعرف لغتنا ونعرف تعابيرها التي تستخدم الاستعارة والتورية والترميز والتصوير، فلماذا إذن حين نصل إلى النصوص القديمة يتعطل العقل ويتوقف المنطق؟ ونصبح جاهلين باللغة تماماً؟

إن عبارة “ضحّى قرونوس بابنه في سبيل أورانوس”، لا تعني على الإطلاق بأنه رمى بابنه في تنور النار ليحترق من أجل أن يرضى أورانوس!، إن هذه ساديّة لا يطيقها بشر عاقل، لكنها تعني ببساطة بأن قرونوس – القرن – السيّد بالعربية، قدّم ابنه لمساعدة المرضى وتخفيف معاناتهم أثناء الطاعون، ربما كان طبيباً ماهراً، وهو بهذا رماه للموت لأنه ربما سيمرض ويموت بدوره، لكن موته سيكون جزاؤه النعيم الأبدي، إنه فداء إنساني نبيل مصيره الجنّة، لأن أورانوس كما رأينا هو الوَرَن بالعربية وتعني الجنّة والنعيم. هذه هي العقلية العربية الروحية الدينية التي طالما تمتعوا بها، إنها بلغة اليوم “الكارما”، أي أن فعلك سيرتدّ لك، ربما في العالم الآخر. إنها حرفياً ما يقوله المؤمنون اليوم حين يضحّون بأنفسهم في سبيل قضية نبيلة لكنها محفوفة بالمخاطر فيقولون “في سبيل الله”، فهل هذا يعني بأن الله “يتلذّذ” بعذاب البشر ويتقبّل قرابينهم البشرية؟، بالطبع لا، لكنه تعبير عربي واضح بأن السعي لأجل قضية نبيلة قد يودي بنا للموت، هو سعي غير مأجور لكنه أخلاقي، إنه بعبارة أخرى سعيٌ نبيل، إنه “الفادي”، وهو بالتالي “في سبيل الله”، أي لا أجر مادّي عليه ولا مقابل. هذه هي العقيدة العربية منذ آلاف السنين، وهي بالتأكيد لا تتحدث عن قرابين بشرية ولا عن آلهة متعطشين للدماء.

وهنا لا بد لنا من التوقف عند قصة النبي ابراهيم، التي أيضاً فُسِّرت ذاك التفسير الشائع نفسه الذي نعرفه اليوم، بأنه أقدم على “ذبح” ولده بسبب رؤيا رآها في منامه لولا أن الله أنقذه وفداه بكبش. لنقرأ معاً الآيات في القرآن الكريم التي تحدثت عن ذلك: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيم (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)} (الصّافّات).

للوهلة الأولى سنعتقد بأننا حقاً نقرأ ما له علاقة بالذبح، مع أنه بقليل من التمعّن لا نجد ما يدل على ذلك سوى كلمة واحدة هي “أنّي أذبحك”، والتي تكرّرت في آية “وفديناه بذبح عظيم”، فهل حقاً كلمة “ذبح” تعني، فقط، النحر بسكين كما نعرفها اليوم؟ سنعيد شرح معاني “ذبح” الواردة في لسان العرب مرة أخرى:

الذبح في الأصل: الشق، والفتق، والمذبح: شقٌّ في الأرض مثل الأخدود.

المذبح: المحراب والمقصورة، والمذابح هي المقاصير لأنها تُشق في الحائط.

مذابح النصارى: بيوت كتبهم، والمذبح: بيت الكتب.

إذن، المذبح في البناء العربي هو المحراب والمقصورة، سُمِّي كذلك لأنه يُحفر حفراً ويُشق شقاً، وسُمّيت المكتبات بالمذابح أيضاً لنفس السبب إذ إنها تُشقّ ضمن الخشب أو الجدار.

إذن المذبح في المباني العربية القديمة لم تكن لأجل ذبح الأضاحي، بل كانت محاريب لإلقاء دروس العلم، إنها باختصار مقاصير أو منابر خاصة بالمعلّمين.

من الواضح من صور المعابد في جميع البلاد العربية من الشام إلى مصر والتي تتضمن محاريب ضمن مبانٍ عربية تخص جامعات قديمة، وكنائس، ومساجد، ودار كتب، بأنها كلها ذات طراز واحد، ولا نرى فيها أية علامة لمسيل دماء أو حوض يسيل فيه دم الأضحية، إذن في اللغة العربية المذبح تعني المحراب ودار الكتب، وليس مكان الذبح.

لكن هنالك لدى الدماغ لغة أخرى غير لغة البشر المنطوقة، لغة هي عبارة عن رموز تمّت برمجته عليها، تظهر من خلال الأحلام والرؤى، ومن المذهل أن هذه البرمجية الرمزية للدماغ تكون مشتركة لدى أدمغة البشر العاقل، وهي رموز عابرة للّغات بمعنى أنها تأتي بشكل ترميزي لا يجب تفسيرها بشكل حرفي كما لا يمكن تصديقها كما هي، بل يتم تفسيرها كعلم قائم بذاته عرفه العرب وألّفوا فيه المؤلَّفات، هو “علم تفسير الأحلام”، أو ما يُدعى بـ “عُبُور الرؤيا”. وقد ورد هذا بشكل واضح وصريح في القرآن الكريم نفسه في الآية: }وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ{ (يوسف:43). وهذا ما نبّه له المفكر والفيلسوف (المتصوّف) محي الدين ابن عربي.

إن كلمة “الذبح” التي فسّروها بأنها قطع الحلقوم كأول معنى يرد إلى الذهن، فالمراد منه شيء آخر تماماً، وهذا هو فن الجناس العربي، إنه يعطيك صورة أولية قريبة للذهن لكن عليك أن تغوص في معاني الكلمة دون عطالة للعقل، وستصل إلى المعنى الحقيقي المتضمن في نفس الكلمة. فما هو الذبح بالعربية؟ نعود إلى لسان العرب:

الذَّبْح في الأصل: الشّقّ، وكل ما شُقّ فقد ذُبح.

المشقوق هو مذبوح، والمَذبح شقٌّ في الأرض، وهو المسيل وجرْيُ السَّيل.

المذابح تكون في الأرض في الأودية وغير الأودية فيما تواطأ من الأرض كهيئة النهر يسيل فيه ماؤها.

المذبح من الأنهار: ضرْبٌ كأنه شقّ فكأنه انشق بين أرضين.

  • تفسير رؤيا ابراهيم:

ذهب ابن عربي مذهباً صحيحاً في تفسير الرؤى في النص الديني هو مذهب التأويل، أي وجوب إرجاع الخطاب إلى معناه المراد منه وليس أخذه بحرفيّته، إننا بذلك نعيده للمعنى الأوّلي، الحقيقي، وهذا يتجلى بشكل واضح في ما اتخذ عند العرب تسمية “عبور الرؤيا” كما ذكرنا سابقاً، وإن لغة عبور الرؤيا هي لغة خاصة من الرموز لا يقوم الناس بتفسيرها كما هي وهذا أمر معروف لدينا حتى اليوم. فالموت في المنام على سبيل المثال لا يعني الموت، بل حياة جديدة وانطلاق، وأن يُرزق أحدنا بصبي يختلف تفسيره عن إنجاب طفلة، والعصفور في الرؤيا له معنى، ورؤية الحصان بالمنام لها معنى، والحصان الأسود يختلف تفسيره عن الحصان الأبيض، والغرق له تفسير غير الغرق الحقيقي، والقمر له تفسير،…إلخ سلسلة لا تنتهي من الرموز الدماغية التي بُرمج عليها والتي يقابلها تأويل هو علم قائم بذاته ترك لنا العرب فيه مؤلّفات هامة دعوها ب معاجم الأحلام، أهمّها معجم تفسير الأحلام لأحمد ابن سيرين والذي يحتوي على أكثر من 3000 رمز دعاها العرب بالكلمات المفتاح، وتأويلها، أي شرح معناها.

وهنا نعود إلى رؤيا النبي ابراهيم لنُأوّلها تأويلها الحقيقي بدلاً من المعنى الحرفي الذي أخذ به المفسّرون بشكل مثير للاستغراب، فما هو تأويل الرؤيا الحقيقي؟:

نجد بأن مدلولات رؤية الذبح في المنام لها عدة معاني بحسب الحالة والتفاصيل، وهذه مدلولاتها التي تهمنا بحسب تفاسير ابن سيرين:

الذبح في المنام عموماً عقوق وظلم، … ومن رأى أحداً يذبحه ذابح فالمذبوح ينال خيراً من الذابح.

عبور الرؤيا بحسب تفسير خليل الظاهري، رؤية الذبح في المنام:

من رأى أنه يذبح رجلاً فإنه يظلمه، وإن كان بينهما قرابة ورأى أنه ذبحه ولم يخرج منه دم فإنها قطيعة بينهما، وإن خرج دم فإنها صلة تعود.

إن الرؤيا – الرمزية الدماغية التي رآها ابراهيم هي أنه يذبح ابنه، أي هناك قرابة، إذن الدلالة الواضحة هنا هي القطيعة والفراق. لكن سيعود ذلك بالخير على الابن، الذبيح، بالمنام.

لنعد إلى الآيات التي تصف الرؤيا ونتبين معناها الحقيقي بدلاً من جعلها “طقساً كنعانياً قديماً بالتضحية بالأولاد كقرابين بشرية” كما جعلها جمهور المفسِّرين، لا بل جعلوها ابتلاءً لابراهيم لامتحان مدى إيمانه وقوة صبره!. تقول الآيات في سورة الصافّات: }وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113){.

إذا كانت رؤيا الذبح تُفسَّر على أنها فراق، فماذا تعني بقية الآيات؟:

إن آية }فلمّا أسْلما وتلّهُ للجبين{ فسّروها كما يلي: “قيل أسلما أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك، .. ومعنى تله للجبين أي ألقاه على وجهه قيل أراد أن يذبحه من قفاه لئلا يشاهد (وجهه) في حال ذبحه (!) قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك .. وأسلما أي سمّى إبراهيم وكبّر وتشهّد الولد للموت، قال السدي وغيره أمَرَّ السكين على حلقه فلم تقطع شيئاً ويقال جُعل بينها وبين حلقه صفيحة من نحاس والله أعلم” (!!).

 نحن لا ندري حقيقةً من أين جاؤوا بهذا السيناريو المرعب، إنهم لم يفسِّروا الرؤيا أساساً بل أخذوها بحرفيتها وهذا خطأ كبير، والأكثر من ذلك أضافوا لها مشاهد لا تقل فظاعة عن تفاسيرهم تستحق أن تكون مشهداً لمجرمين في أحد أفلام الرعب وليس لنبي من الأنبياء، ولا أن تكون خطاباً إلهياً جليلاً!، فما هي حقيقة “أسلما وتلَّه للجبين”؟، نقرأ في لسان العرب:

أسلمَ: ترك، يقال كنت راعي إبل فأسلمت عنها أي تركتها، وكل صنيعة أو شيء كنت فيه وتركته فقد أسلمتُ عنه.

الإسلام: إظهار القبول لما أتى به الله ورسوله، فإن كان مع الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الايمان.

تّلّه: صرعه وأسقطه وألقاه، وفي حديث للنبي محمد: }وبينا أنا نائم أُتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتُلَّت في يدي{، أي أُلقيت في يدي.

تلَّ جبينه: رشَحَ بالعرَق.

الجبين: ما فوق الصدغ، وكلمة جبين مرتبطة باللغة العربية بكنايات عديدة منها:

  • أمرٌ يندى له الجبين: أمر مهيب مثير للاشمئزاز، مخزٍ ومخجل.
  • مرفوع وعالي الجبين: كريم الأصل رفيع القدْر.
  • عرَق الجبين: جهد وكد ومشقة، واعتماد على الذات.
  • مكتوب على الجبين: محكوم عليه بالمقدَّر الذي لا يمكن تغييره، القدَر الذي لا بد منه.

إن لغة العرب شهيرة باستعاراتها وكناياتها ورمزيتها، تخيلوا أن يقول أحدنا إن فلاناً يأكل من عرق جبينه، فيأتي أحد الجاهلين بالعربية ويترجمها كصورة مثيرة للاشمئزاز لشخص يتلقف العرق السايل على جبينه ويأكله!

إن هذا هو بالضبط ما حدث بحق تفسير بعض الآيات، فالمجسِّمة، على سبيل المثال، ومنهم ابن القيم وابن تيمية، الذين يأخذ منهم كثير من المفسرين الذين حادوا عن حقيقة وفقه اللغة العربية وجلُّهم من غير العرب ولا يفقهون شيئاً عن الرمزية بالعربية التي هي لغة القرآن، وجدوا ذكراً ليد ووجه الله في القرآن ففسروها حرفياً بأن لله وجه وأيد، ولقد استاء كثيرٌ من الفقهاء والمفسِّرين من مثل هذه التفاسير الضحلة والمشوَّهة، فلماذا حين وجدوا هذا التعبير اللغوي “تلّه للجبين” فسروه حرفياً بأنه صرعه على الأرض ليقوم بذبحه؟

إن الجبين في لغة البيان العربية يرمز إلى الذات والأصل والقدَر، والقدَر المحتوم يقول العرب عنه بأنه “مكتوب على الجبين”، إنه مرآة القدَر الذي لا مفرّ منه، ولا بد من التسليم به مهما كان شاقاً. إن عبارة “تله للجبين” تعني حرفياً ألقاه لمصيره المحتوم. بذلك تتضح الصورة: إن ابراهيم عبَر الرؤيا وفهمها، أنه لا بدّ مفارقٌ ولدَه، قال له اسماعيل افعل ما تؤمر سأكون من الصابرين، أي أنه قبل بالمهمّة وبهذا الفراق الذي لا بد منه لأمر إلهي، وسيصبر على ذلك، وحين قبلا المهمة (أسلما) وألقاه لمصيره المحتوم (تله للجبين)، أي أوشك على وداعه الذي لا بد منه، نال ذلك استحساناً من الرب لأنهم فهموا الرؤيا بحقيقة تأويلها، ولم يخطيء ابراهيم في تفسيرها، فكان جزاء ذلك أن افتدي اسماعيل بذبح عظيم، والذِبح هو العلم العظيم الذي يجب عليه فتحه. فما هو هذا الذبح العظيم؟ إنه بالعربية مسايل الماء، إن اسماعيل كان عليه أن يبتعد عن أبيه لأجل مهمة عظيمة الشأن تعود بالنفع على الناس، هي حفر الآبار لاستخراج المياه الجوفية من أجل سقاية الأرض التي تصحرت وهذا واضح من خلال الآية “ربَّنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع”، كما أنها لسقاية الناس الذين يعانون من التصحر والجفاف الذي أدى إلى نضوب المياه السطحية، ومن هنا جاءت أهمية “بئر زمزم”. وإن كلمة زمزم بالعربية تعني الماء الكثير.

إن الذبح العظيم في الآية هو ببساطة علم حفر الآبار والاستفادة من المياه الجوفية، ومثالها هنا بئر زمزم الذي اكتسب أهمية كبيرة لدى أهل المنطقة لأنه أنقذهم من الموت عطشاً وجوعاً. وإن ارتباط بئر زمزم باسماعيل في التراث العربي هو أبلغ دليل على صحة ما نقول، بأن الذبح الكبير هو حفر الآبار وهذا يتوافق مع معاني “ذبح” باللغة العربية. الآن اتضح التفسير وأصبح أكثر منطقية وقبولاً وفهماً.

هل "رع" هو حقاً إله الشمس كما فهمه المستشرقون؟، ما هو قرص الشمس بالنقوش القديمة؟ ومن هو "الشمّاس" بالديانة المسيحية؟، وهل "أضحى" في الإسلام تعني ذبح الأضاحي؟.. التراث العربي الروحي بين الحقيقة والتفسير المغلوط.

10 أغسطس، 2021

العلوم العظيمة في القرآن الكريم: الحلقة الأولى: علوم برمجة الكومبيوتر، الصافات والمصفوفات:

10 أغسطس، 2021