العلوم العظيمة في القرآن الكريم: الحلقة الأولى: علوم برمجة الكومبيوتر، الصافات والمصفوفات:

من موسوعة نينورتا التاريخية، الجزء الثاني اللغة الأم، لأحمد داوود و نينورتا أحمد داوود.

وهنا لا بد من أن نتوقف عند وصف الملائكة بأنهم “ذوي أجنحة” في القرآن الكريم: }الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير {(فاطر:1). إن الأجنحة بالعربية، كما سبق وذكرنا، هي كل ما جُعل في نظام، وصفّ، وهنا نتذكر ما يُدعى اليوم ب”المصفوفات”، فما هي المصفوفات؟ يقول العلماء:

“في الرياضيات، المصفوفة (بالإنجليزية: Matrix أو Array)‏ هي مجموعة مستطيلة، أو مربّعة، من الأعداد، أو من الرموز، أو من التعبيرات، منتظمة بشكل أعمدة وصفوف. أساس هذه المصفوفات هو علم الجبر”.

نقرأ ماذا يقول الدارسون حول علم الجبر:

“علم الجبر Algebra هو فرع من الرياضيات أسّسه العالم العربي ((محمد بن موسى الخورازمي)) ووضع أول كتاب فيه وذلك في القرن التاسع للميلاد. يهتم هذا العلم بدراسة البنى الجبرية، والعلاقات والكميات والمصفوفات. والخوارزمي هو الذي سمّاه بهذا الاسم الذي انتقل إلى اللغات الأوروبية بلفظه العربي. وتُرجمت كتب الخوارزمي إلى اللاتينية في عام 1135 م وظل يُدرَّس في جامعات أوروبا حتى القرن السادس عشر. كما انتقلت الأرقام العربية 1 2 3 … إلى أوروبا عن طريق ترجمات كتب الخوارزمي وما تزال تُسمى بالأرقام العربية  Arabic numbers. الخوارزمي أُطلق عليه في الغرب الجورزمي ALGORISMO، وصارت طريقته مصطلحاً للدلالة على نظام الأعداد وعلم الحساب والجبر وطريقة حل المسائل الحسابية دُعيت باسمه “خوارزميات” Algorythm. يعبّر مفهوم الخوارزميّة عن طريقة عمل، أو صيغة لحل المشكلات، حيث تعتمد على تنفيذ متسلسلة من الإجراءات المحدَّدة، وتعبّر الخوارزميّة في الرياضيّات وعلوم الحاسوب عن طريقة عمل لحل المشاكل المتكررة، ويمكن طرح جهاز الحاسوب كمثال دقيق على مفهوم الخوارزميّة.

تعبّر الخوارزميّة في جهاز الحاسوب عن عملية محدَّدة بعناية تسمح للجهاز بحل المشكلات، ويمكن التعبير عنها أيضاً بأنها سلسلة من التعليمات الواضحة؛ أي أنّه لا يمكن وجود احتمال لتفسير ذاتي لها، حيث إن جهاز الحاسوب يقوم بتأدية الأمر بنفس الطريقة، ويُظهر نفس النتائج، في كل مرّة يقوم المُستخدم بطلبه؛ تُستخدم الخوارزميّة أيضاً في التدقيق الإملائيّ، والحسابات الماليّة، ومحرّكات البحث، وجميع المهام التي يقوم بها كل جهاز الحاسوب تقريباً.

يُعتبر علم الجبر علماً شاملاً أكثر من أي فرع آخر من فروع الرياضيات والحساب؛ إذ يعتمد على صياغة المعادلات المتكونة من المُتغيّرات والفئات، ويُعد من أساسيات تنظيم البرهان وطرقه، وذلك لقدرته على صياغة البديهيات والعلاقات التي يعتمد عليها في تمثيل أية ظاهرة ويقدم الدلائل والبراهين على وقوع الأشياء من ناحية رياضية يمكن عكسها على الواقع العملي.  ويقول العلماء: تعود جذور علم الجبر إلى قدماء البابليين الذين طوّروا نظاماً حسابياً متقدماً كان قادراً على القيام بعمليات حسابية بطريقة خوارزمية، فطوّر البابليون الصيغ لايجاد الحلول للمسائل باستخدام المعادلات الخطية والمعادلات التربيعية، والمعادلات الخطية غير المحددة، والمعادلات من الدرجة الثانية، وفي المقابل كان للمصريين واليونانيين أثر كبير في الجبر وحل القضايا الحسابية، فمع ظهور الحضارة الإغريقية خضع علم الجبر البابلي للكثير من التغيرات وأنشأ الإغريق علم الجبر الهندسي الذي يتمحور حول حساب الأشكال ووصفها، على الرغم من أن هذا لم يُلاحَظ حتى تطورت الرياضيات في عصر الحضارة العربية في القرون الوسطى.

كانت البداية في علم الجبر عندما تم وضع قواعد العمليات الحسابية الأربعة الرئيسية وهي الضرب والقسمة والجمع والطرح، ثم وضْع أسس المجموعات التي تفرّق الأرقام عن بعضها البعض، ثم ظهرت ضمن مفهوم الجبر المتغيرات التي كانت نقلة نوعية لحل عدد كبير من النظريات المعقدة، وتم بناء مفهوم المصفوفات والمتتاليات ضمن أسس الجبر أيضاً، ومن ثم تم تطبيق مفهوم الجبر في الرياضيات في الهندسة والتفاضل والتكامل، وأصبح التعامل بالجبر أساسياً في حل كل القضايا والمعادلات، ويُستخدم هذا المصطلح (الجبر) من قبل عالم الرياضيات العربي محمد بن موسى الخوارزمي لوصف العمليات التي قدمها في معادلات الاختزال والموازنة وكان له التأثير الأكبر في صياغة علم الجبر، إذ قام بفصل الجبر عن الهندسة والحساب وجعله مادة رئيسية، وقد أدت أفكار الخوارزمي إلى الكثير من التغيرات الثابتة إلى يومنا هذا، لهذا تم تسميته بأبو الجبر، ذلك أنه قام بحل جميع المعادلات وتعديلها عن طريق المتغيرات التي قام بوضعها وتأسيسها، كما قام بإضافة العديد من النظريات والأسس الجديدة إلى مفهوم الجبر في الرياضيات والتي ساهمت بشكل كبير في التطور العلمي الحديث وخاصة علوم الحاسوب (الكومبيوتر) وتكنولوجيا البرمجة. لقد اكتشف العرب علم الجبر واشتغلوا وألّفوا فيه بصورة علمية منظَّمة ومذهلة، حتى أن فلوريان كاجوري، وهو عالم رياضيات ومؤرخ سويسري – أميركي، وبروفسور رياضيات تطبيقية في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1887 م قال: إنّ العقل ليُدهَش عندما يرى ما عمله العرب في الجبر”.

إذن تُعتبر المصفوفات من إحدى أهم مفاتيح الجبر الخطّي، والمصفوفة هي تنظيم مستطيل أو مربع الشكل لمجموعة من الأعداد أو الرموز على هيئة صفوف وأعمدة محصورة بين قوسين مربعين أو بين قوسين هلاليين.

إذن فالمصفوفة هي تمثيل لعناصر خطية، وفرع من الجبر الخطي يفيد في التشفير والبرمجة.

ماذا تعني كلمة مصفوفة في البرمجة؟

“يمكننا تصوّر المصفوفة كمتغير واحد بإمكانه تخزين عدة قيم, إذن هي مثل صندوق يحتوي على عدة خانات، أي أنها عبارة عن منطقة في الذاكرة تتكون من عدد محدد ومتجانس من المواقع المتجاورة. بمعنى آخر المصفوفة عبارة عن هيكل يمكنه تخزين عدة قيم من نفس النوع.

يمكن للمصفوفة أن تكون ذات بعد واحد ويمكن أن تكون ذات بعدين ويمكن أن تكون ذات عدة أبعاد، وعادة ما يتم التعامل مع المصفوفات ذات البعدين Matrix لقلة التطبيقات التي تحتاج لمصفوفات ذات أكثر من بعدين.

المصفوفة ذات البعدين تتألف من مجموعة من الصفوف ومجموعة من الأعمدة ويساعدنا هذا النوع من المصفوفات في تمثيل البيانات على الذاكرة.

تُستخدم أنواع المصفوفات الرياضية في الكثير من التطبيقات العملية لمختلف مجالات الأبحاث والعلوم، حيث يتمّ تطبيق المصفوفات في تقنيات التشفير ونظريات الكم والتحليل الطيفي، وفي حساب المدارات الجزيئية، وتمّ ضمها إلى حساب الرسم البياني المعقد عبر استخدام مصفوفات الجوار والمصفوفات المنطقية، واستُخدمت في التحليل والهندسة في حساب المشتقات والمعادلات التفاضلية، كذلك تمّ استخدام المصفوفات في نظريات الإحصاء والاحتمالات، وتمّ تطبيق بعضها في تجارب الفيزياء، كما تمّ إدخال المصفوفات في علم الإلكترونيات”.

إذن، المصفوفات هي تراتبية منظَّمة، تُصفّ صفّاً، من مجموعة أرقام، أو حروف، أو رموز، لتقوم بتخزين البيانات الكبيرة ضمن خانات صغيرة، كما أنها تقوم بتخزين التوجيهات المُدخلة والتي، وتبعاً للخوارزميات، ستؤدي إلى أوامر محدَّدة، إنها الشرح الحرفي للوصف الذي نقرأه في سورة الصّافّات: }وَالصَّافَّاتِ صَفًّاً (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً (3){، إن الصافّات صفّاً هي عملية البرمجة التي تصفّ الرموز أو الأرقام ضمن مصفوفات، والزاجرات زجراً من الزجر وهو الحث والاستثارة والأمر. زجره: حثّه وأثاره وساقه على وجه السرعة، وأمره بفعلٍ أو نهي. إنها باختصار منظومة الخوارزميات التي لا بد أن تؤدي لنتيجة حتمية لا احتمال ثاني لها. أما التاليات ذِكراً فهي عملية تخزين البيانات في الذاكرة، إذ إن الذِّكْر بالعربية: حفظ الشيء. وتلا بالعربية تعني: ترك. تتالت الأشياء: تلا بعضها بعضاً، تجاورت. تلي وتلّى: بقي وتعهّد وحفظ. كما أن التلاء تعني الضمان والإحالة (لسان العرب).

إنها باختصار البيانات التي تُحال لتصبح الذاكرة المحفوظة بشكل متتاليات متجاورة.

إن عملية الخلق كلها هي مجموعة منظَّمة من المصفوفات، بدءاً من الخلق الحيوي وتسلسل ترتيب الأسس الآزوتية في الشيفرة الوراثية بطريقة محددة لكل كائن، ولكل فصيلة، ولكل جنس، ولكل نوع، وهي “البصمة” الحقيقية لكل إنسان لأنها تختلف من إنسان لآخر، وهي ما يُعرف بالحمض النووي DNA، وصولاً إلى المنظومات الكونية بالغة الدقة، كلها تخضع لمنظومة مصفوفات فائقة، أكدها القرآن الكريم أيضاً في سورة الصافّات: }وَمَا مِنَّاۤ إِلَّا لَهُۥ مَقَامٌ مَّعۡلُوم (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحۡنُ ٱلصَّاۤفُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحۡنُ ٱلۡمُسَبِّحُونَ (١٦٦).{ دعونا نرى عملية البرمجة كما يعرّفها المختصّون، ونقارنها بالآيات الثلاثة الأولى من سورة الصافّات: “البرمجة تُعرَّف بأنها عملية كتابة تعليمات (والصّافّات صفّاً)، وتوجيه أوامر لجهاز الحاسوب أو أي جهاز آخر مثل قارئات أقراص DVD أو أجهزة استقبال الصوت والصورة في نظم الاتصالات الحديثة (فالزاجرات زجراً)، لتوجيه هذا الجهاز وإعلامه بكيفية التعامل مع البيانات، أو كيفية تنفيذ سلسلة متوالية من الأعمال المطلوبة تسمى خوارزميّة (فالتاليات ذِكْراً)”. إن هذا أمر مذهل بالتأكيد، وبالتالي فلا نعتقد بأن العرب قد وضعوا علم الجبر كنوع من الرفاهية العلمية، بل كنوع من العلوم التطبيقية التي استخدموها، دون شك، في إنشاء ما ندعوه اليوم بالكومبيوتر والبرمجيّات الرقميّة. لكن الغربيين، كالعادة، لا يطيقون الاعتراف بهذه الحقائق.

تفسير الرمزية باللغة العربية بشكل خاطيء وسطحي أدى إلى تشوهات فادحة في تفسير التراث الآثاري والقرآن الكريم، رؤيا ابراهيم نموذجاً، فما هو تفسيرها الحقيقي؟

17 أغسطس، 2021

الصافات والمصفوفات، والملائكة ذوي الأجنحة، نظام البرمجة الكونية المذكور في القرآن، هل نجدها في نقوش عرب وادي النيل؟

17 أغسطس، 2021